تأملات في الآية الكريمة {قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}
من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
الحلقة: 234
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
شعبان 1444ه/ مارس 2023م
إن الظلم أنواع وألوان: ظلم النفس بالشرك، وظلم الناس بالبغي، والإمامة الممنوعة على الظالمين تشمل كل معاني الإمامة: إمامة الرسالة، وإمامة الخلافة، وإمامة الصلاة، وكل معنى من معاني الإمامة والقيادة؛ فالعدل بكل معانيه هو أساس استحقاق هذه الإمامة في أية صورة من صورها ومن ظلم - أي لون من ألوان الظلم - فقد جرّد نفسه من حقّ الإمامة، وأسقط حقّه فيها بكل معنى من معانيها(1).
وتبيّن الآية الكريمة أنّ الظالمين لا حقّ لهم في سياسة الشعوب؛ إنّ وظيفة السياسة قيادة الشعوب لدفع المفاسد وجلب المصالح في جميع المجالات العقدية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية.. إلخ، وقد مارس ذلك أنبياء الله كداود وسليمان ومحمد - عليهم الصلاة والسلام - وفق شرع الله وأحكامه سبحانه وتعالى
إنّ الذين يحاولون إقناع الناس بأن السياسة نجسة، والدين طاهر ولا يليق أن نخلط المقدس بالرجس، إنما يحاولون بذلك صرف السياسة عن رقابة الدين والأخلاق، وهذا مبدأ جاهلي قديم يقول: "دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله"، أو يحاولون فصل سياسة الناس عما يعتقدونه من دين، وهي عملية شريرة حقاً أن تسوس الناس وفق أهوائك لا وفق معتقداتهم، ثم تقول لهم - وأنت تهز كتفيك -: لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين.
إن هذا المبدأ الظالم يجعل مقاليد الأمور في أيدي أفسد الناس، وأظلم الناس ممن لا يُقرّون شرعية ولا يحتكمون للكتاب، وإن الآية الكريمة: {لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} تهدم عليهم فكرتهم الباطلة تلك، فقد حرّم الله أن تصير مقاليد الأمور إلى الظالمين؛ فمنصب سياسة الناس يحرم أن يوسّد الأمر إلى غير أهله، كأن يخلف الأنبياء خلوف لا يستنون بسنتهم ويسوسون الناس بالهوى ويقولون ما لا يفعلون، ويفعلون في شؤون العبادة ما لا يؤمرون، حيث تنحرف وظيفة الخلافة التي خلق الله الإنسان من أجلها، فذلك محض حرام أن تكون مقاليد سياسة البشر في أيدي الظالمين، ولا سيما الذين يفصلون الكتاب عن القارئ، والشريعة عن القضاء، والدين عن السياسة.
وهذا ما أكد الله عليه، حينما عهد بالأمر إلى إبراهيم - عليه السّلام - وكلّفه أن يكون للناس إمامهم يسوسهم بمنهج الله، فتسائل إبراهيم أن تكون هذه الإمامة في ذريتي، فكان الردّ بحرمة أن يؤول هذا الأمر إلى الظالمين(2).
فهذا المنصب يحرم على الظالمين، ولا يجوز للظالم أن يسوس الناس، فضلاً عن حرمة الركون إليه، واستدل أهل العلم بهذه الآية على أن أهل الحل والعقد يتوجب عليهم عزل الإمام، إذا سار في الرعية بسيرة الظلم، كما حكى الإمام الماوردي(3).
وقال ابن تيمية: فدل على أن الظالم لا يؤتم به(4). وقال السعدي: ودل مفهوم الآية أن غير الظالم سينال الإمامة، ولكن مع إتيانه بأسبابها(5).
وقال القرطبي: استدل جماعة من العلماء بهذه الآية على أن الإمام يكون من أهل العدل والإحسان والفضل مع القوة على القيام بذلك، وهو الذي أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم ألا ينازعوا الأمر أهله فأما أهل الفسوق والجور والظلم فليسوا له بأهل لقوله تعالى: {لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}(6).
مراجع الحلقة الرابعة والثلاثون بعد المائتين:
(1) في ظلال القرآن، سيد قطب، (1/112).
(2) رؤية إسلامية للنهضة بواقع الأمة، محمد مسعد ياقوت، دار السلام للطباعة، القاهرة، ط1، 2013م، ص22.
(3) الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي، الماوردي، (12/154).
(4) منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية، ابن تيمية، محمد رشاد سالم، (8/255).
(5) تفسير السعدي "تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان"، ص91.
يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي