تأملات في الآية الكريمة
{قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا}
من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
الحلقة: 232
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
شعبان 1444ه/ مارس 2023م
والإمام هو الذي يأتمّ به الناس، ويقتدون به في الخير ويتأثرون به، ويتخلّقون بأخلاقه ويهتدون بهديه.
قال الإمام الراغب: الإمام هو: المُؤتم به، إنساناً: كأن يقتدى بفعله أو قوله، أو كتاباً أو غير ذلك، سواء كان مُحقاً أو مبطلاً وجمعه أئمة(1).
والإنسان الصالح إمام وقدوة في الخير، قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ} ]السجدة:24[، وجعل الله إبراهيم - عليه السّلام - إمام هدى للناس، كل الناس على اختلاف الزمان والمكان: {قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا}، وبقي إبراهيم إماماً لمن بعده من المؤمنين، كان إماماً لمؤمني بني إسرائيل وإماماً لمؤمني النصارى، وصار إماماً للمسلمين أتباع محمد صلّى الله عليه وسلّم، ومازال إماماً لهذه الأمة وسيبقى إماماً لها، ما دامت هذه الأمة باقية، إن إبراهيم - عليه السّلام - إمام دعوة، ومنار هدى، ومعلم عقيدة، ونور طريق منذ وجوده وحتى قيام الساعة(2).
وجعلها الله إماماً للناس وهيأ له حياة غنية بالتجارب الإنسانية؛ لتكون نماذج حيّة يحتذي بها كل من يوجّه وجهه للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً مسلماً، وهذا معنى عالمية دعوته عليه السلام، لقد كان إبراهيم إمام في كل دقيقة من دقائق حياته، يسجّل للناس قواعد خالدة في معاشهم ومعادهم، يفيؤون إليها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها(3).
إنّ الإمامة للناس التي أكرمه الله بها جاءت بعد نجاحه في الابتلاء، وإتمامه للكلمات، وهذا دليل على أن الإمامة لا تأتي إلا بعد نجاح في العمل وأداء الواجبات، فطريق الإمامة ليس سهلاً ولكنه شاق يحتاج إلى جهد ومجاهدة، وصبر ومصابرة وتحمّل المشقة والتعب.
إن من يعيش على هامش الحياة لن يكون إماماً، وإن من يعيش مع توافه الحياة لن يكون إماماً، وإن من يعيش كسولاً أنانياً لا مبالياً لن يكون إماماً، فللإمامة رجالها الأشاء، وروادها الأولياء وصالحوها الأوفياء، وإمامهم إبراهيم أبو الأنبياء عليه الصلاة والسلام، ولما أخبر الله إبراهيم عليه السلام بأنه جعله للناس إماماً، سأل عن الأئمة من ذريته(4).
مراجع الحلقة الثانية والثلاثون بعد المائتين:
(1) المفردات في غريب القرآن، الراغب الأصفهاني، ص24.
(2) القصص القرآني عرض وقائع وتحليل أحداث، صلاح الخالدي، (1/442).
(3) من أنباء القرى، أحمد عبيد الكبيسي، ص205.
(4) القصص القرآني عرض وقائع وتحليل أحداث، صلاح الخالدي، (1/443).
يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي