تأملات في الآية الكريمة {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ}
من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
الحلقة: 231
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
شعبان 1444ه/ مارس 2023م
يقول الله عزّ وجل للنبي محمد صلّى الله عليه وسلّم اذكر ما كان من ابتلاء الله عزّ وجل لإبراهيم بكلمات من الأوامر والتكاليف، فأتمهن وفاء وقضاء، وقد شهد الله لإبراهيم في موضع آخر بالوفاء بالتزاماته على النحو الذي يرضى الله عنه فيستحق شهادته الجليلة {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى}، وهو مقام عظيم، ذلك المقام الذي بلغه إبراهيم، مقام الوفاء والتوفية بشهادة الله عزّ وجل والإنسان بضعفه وقصوره لا يوفي ولا يستقيم(1).
فقد قام إبراهيم - عليه السّلام - بالكلمات الشرعية وأتمّها ووفّاها وصبر على القدرية واحتسب، فمن الأمور الشرعية ما صحّ عن ابن عباس رضي الله عنه في تفسيره هذه الآية قال: ابتلاه الله بالطهارة: خَمسٌ في الرأسِ، وخمسٌ في الجَسَدِ؛ خمسٌ في الرأس: قصُّ الشَّارِبِ والمضمضةُ، والاستنشاقُ والسِّواكُ، وفَرْقُ الرأسِ، وفي الجَسَدِ: تقليمُ الأظفارِ، وحَلْقُ العانة، والختانُ، ونتفُ الإبْط، وغسلُ أثَر الغائِطِ والبَولِ بالماءِ، ومن ذلك أيضاً: الإسلام، والحج، والإحرام، والطواف، والسعي ورمي الجمار(2).
وغير ذلك من التفاسير والرأي الذي قال به الدكتور عبد الحليم محمود مستنداً على الإمام الحسن البصري: هو ما أمره الله تعالى بشيء إلا وفّى به(3).
وقد نجح إبراهيم - عليه السّلام - في ابتلاءات عديدة بفضل الله تعالى منها:
- نجح إبراهيم عليه السلام في ابتلاء الدعوة، عندما دعا أباه وقومه وحاكم قومه.
- نجح الخليل في ابتلاء المواجهة؛ عندما واجه الكفار وثَبت على الحق.
- نجح في ابتلاء الهجرة عندما هاجر للأرض المقدسة.
- نجح في ابتلاء الفراق عندما وضع زوجه وابنه في وادٍ غير ذي زرع.
- نجح في ابتلاء التضحية عندما نفذ رؤياه بذبح ابنه، لولا الله فداه.
- نجح في ابتلاء الكرم والضيافة.
- نجح في ابتلاء بناء البيت.
- نجح في ابتلاء العبادة والذكر والشكر والتوبة وسنن الفطرة والاختتان والدعاء.
- نجح في ابتلاء الولاء والبراء والمفاضلة للأعداء.
- نجح في ابتلاء الإمامة والريادة والقدوة(4).
وتدخل في الكلمات التي كلف الله إبراهيم عليه السلام بها ما تشمله من أوامر ونواهٍ وأحكام وواجبات سواء ما يتعلق منها بالعقيدة أو العبادة أو الدعوة أو الأخلاق أو غير ذلك(5).
{فَأَتَمَّهُنَّ}: أي: أدّاهن أحسن التأدية وقام بهن حق القيام من غير تفريط ولا تقصير ولا تأخير، فقام بالكلمات الشرعية ووفّى بها وصبر على القدرية، واحتسب وصبر على طاعة الله، وعلى أقدار الله ولذلك رفع الله منزلته، وكافأه على ذلك في الدنيا والآخرة(6).
وبهذا شهد الله له بأنه أتم الالتزام بالكلمات وأتمّ أداء التكاليف والواجبات {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ}، ولعل السبب في نجاح إبراهيم في الابتلاء والباعث له على أداء وإتمام الكلمات والواجبات، هو قوة صلته بالله، وسلامة قلبه من الآفات والنقائص وامتلاؤه بالإيمان والإحسان حيث أثنى الله على إبراهيم بقوله: {وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83) إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84)} ]الصافات:83-84[، ولما نجح إبراهيم في ابتلاء الله وأتمّ الكلمات، أكرمه الله بأن جعله إماماً للناس(7).
مراجع الحلقة الحادية والثلاثون بعد المائتين:
(1) في ظلال القرآن، سيد قطب، (1/112).
(2) تفسير الزهراوين البقرة وآل عمران، محمد صالح المنجد، دار العبيكان، الرياض، ط1، 2016م، ص215.
(3) قصص الأنبياء في رحاب الكون، د. عبد الحليم محمود، ص.
(4) القصص القرآني عرض وقائع وتحليل أحداث، صلاح الخالدي، (1/441).
(5) القصص القرآني عرض وقائع وتحليل أحداث، صلاح الخالدي، (1/441).
(6) تفسير الزهراوين البقرة وآل عمران، محمد صالح المنجد، ص215.
(7) القصص القرآني عرض وقائع وتحليل أحداث، صلاح الخالدي، (1/442).
يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي