الجمعة

1446-06-26

|

2024-12-27

(لا وتران في ليلة)

اقتباسات من كتاب " فقه الصلاة" للدكتور يوسف عبد الله القرضاوي (رحمه الله)

الحلقة: الثالثة عشر بعد المائة

شوال 1444ه/ مايو 2023م


ومن صلَّى الوتر، ثمّ بدا له أن يصلي مرة أخرى؛ جاز له ذلك، ولا يعيد الوتر؛ لحديث طلق بن علي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا وتران في ليلة".
وعن عائشة رضي الله عنها أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم سلامًا يُسمعنا- أي من صلاة الوتر- ثمَّ يصلي ركعتين بعدما يسلم وهو قاعد.
وارتضى ذلك جمهور الأئمة.
قال النووي: «وهذا الحديث محمول على أنَّه صلى الله عليه وسلم صلى الركعتين بعد الوتر، بيانًا لجواز الصلاة بعد الوتر».
«وقد احتج العلماء بهذا على أنه لا يجوز نقض الوتر.
قال العراقي: وإلى هذا ذهب أكثر العلماء، وقالوا: إن مَن أوتر وأراد الصلاة بعد ذلك لا ينقض وتره، ويصلي شفعًا شفعًا، حتى يصبح.
واحتج به أيضًا كثير من الصحابة والتابعين، فمن الصحابة: أبو بكر الصديق، وعمار بن ياسر، ورافع بن خديج، وعائذ بن عمرو، وطلق بن علي، وأبو هريرة، وعائشة، ورواه بن أبي شيبة في المصنف عن سعد بن أبي وقاص وابن عمر وابن عباس.
ومن التابعين سعيد بن المسيب، وعلقمة، والشعبي، وإبراهيم النخعي، وسعيد بن جبير، ومكحول، والحسن البصري، روى ذلك ابن أبي شيبة عنهم في المصنف أيضًا، وقال به من التابعين طاوس وأبو مجلز، ومن الأئمة سفيان الثوري ومالك وابن المبارك وأحمد، روى ذلك الترمذي عنهم في سننه، وقال: إنه أصح.
ورواه العراقي عن الأوزاعي والشافعي وأبي ثور، وحكاه القاضي عياض عن كافة أهل الفتيا».
قال المباركفوري: «وهذا هو المختار عندي، ولم أجد حديثًا مرفوعًا صحيحًا يدل على ثبوت نقض الوتر، والله تعالى أعلم».
روى الترمذي عن جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومن بعدهم جواز نقض الوتر، وقالوا: يضيف إليها أخرى، ويصلي ما بدا له، ثم يوتر في آخر صلاته. قال: وذهب إليه إسحاق.
واستدل القائلون بذلك بحديث ابن عمر رضي الله عنه، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا". وأن ابن عمر كان ينقض وتره إذا استيقظ وأراد أن يصلي من الليل.
وقد اعترض أصحاب الرأي الأول بأنه لا يجوز نقض الوتر الذي صلَّاه؛ لأنّ الرجل إذا أوتر أول الليل، فقد قضى وتره، فإذا نام بعد ذلك، ثمَّ قام وتوضأ وصلَّى ركعة أخرى، فهذه صلاة غير تلك الصلاة.
وغير جائز في النظر أن تتصل هذه الركعة بالركعة الأولى التي صلَّاها في أول الليل، فلا يصيران صلاة واحدة، وبينهما نوم وحدث، ووضوء وكلام في الغالب، وإنما هما صلاتان كل واحدة منهما غير الأولى، ومن فعل ذلك فقد أوتر مرتين، ثمَّ هو إذا أوتر أيضًا في آخر صلاته صار موُتِرًا ثلاث مرات، وهذا مخالف لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا وتران في ليلة". وقال صلى الله عليه وسلم: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا". وهذا قد جعل الوتر في مواضع من صلاة الليل.
قال ابن المنذر: إنما قول النبي صلى الله عليه وسلم: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا". في الرجل يريد الصلاة من الليل، فإذا أراد ذلك، فالسنة أن يصلي مثنى مثنى، ثم يوتر آخر صلاته، وليس ذلك لمن قد أوتر مرة، إذ ليس من السنة أن يوتر في ليلة مرتين، والدليل على أن معنى قول ابن عمر المعنى الذي قلناه أن ابن عمر وهو الراوي لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا". وقد سئل عن نقض الوتر فقال: إنما هو شيء أفعله برأيي، لا أرويه عن أحد.
قال ابن المنذر: ولا أعلم اختلافًا في أن رجلًا بعد أن أدَّى صلاة فرض كما فُرضَتْ عليه، ثم أراد بعد أن فرغ منها نقضها أن لا سبيل له إليه، فحكم المختلف فيه من الوتر حكم ما لا نعلمهم اختلفوا فيه مما ذكرناه، وكذلك الحج، والصوم، والعمرة، والاعتكاف، لا سبيل إلى نقض شيء منها بعد أن يُكملها.

هذه الحلقة مقتبسة من كتاب فقه الصلاة للدكتور يوسف عبد الله القرضاوي (رحمه الله) ص 303-301


 


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022