(صلاة الضحى,,,وقتها وعدد ركعاتها)
اقتباسات من كتاب " فقه الصلاة" للدكتور يوسف عبد الله القرضاوي (رحمه الله)
الحلقة: 124
ذو القعدة 1444ه/ يونيو 2023م
من السنن المشروعة في وقت معين أيضًا: صلاة الضحى، وتُسمَّى صلاة الأوَّابين، كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم. والأوابون: هم الذين يكثرون الأوبة أو الرجعة إلى الله تعالى. كما قال الله عزَّ وجل: {فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا} [الإسراء:25]
وصلاة الضحى سُنَّة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، واظب عليها، ورغَّب فيها، وأشاد بفضلها في أحاديث كثيرة، منها:
- حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث، لا أدعهن حتى أموت: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام. ومثله عن أبي الدرداء.
- وعن أبي ذر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يصبح على كل سُلامَى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهيٌ عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى".
- وعن نعيم بن همَّار قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يقول الله عز وجل: يا ابن آدم، لا تُعجزْني من أربع ركعات في أول النهار أكْفِكَ آخره". وعن أبي الدرداء وأبي ذر رضي الله عنهما مثله.
- وعن أنس رضي الله عنه في فضل صلاة الضحى لمن جلس في المسجد بعد الفجر حتى ترتفع الشمس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلَّى الفجر في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلَّى ركعتين، كانت له كأجر حجة وعمرة، تامةٍ تامةٍ تامة".
وقد صح في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى الفجر جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس حَسَنًا.
فهذه الأحاديث تدل على مشروعية صلاة الضحى وفضلها، ولذلك داوم عليها الصحابة والتابعون رضوان الله عليهم، واستمرَّ الأمر بعدهم، ولا يزال حتى يومنا هذا.
حكم صلاة الضحى:
صلاة الضحى سنة مستحبة، فمن شاء ثوابها فليؤدها، وإلا فلا تثريب عليه في تركها، وقال بعض الفقهاء: إنها سنة مؤكدة، وهو مذهب الشافعية.
قال النووي بعد أن ذكر جملة من الأحاديث في فضلها: «هذه الأحاديث كلها متفقة لا اختلاف بينها عند أهل التحقيق، وحاصلها أنَّ سنة الضحى سنة مؤكدة».
وقت صلاة الضحى:
يبدأ وقت صلاة الضحى من بَدء حِلِّ النافلة، وهو مقدار ارتفاع الشمس قدر رمح أو رمحين، وينتهي قُبَيل الزوال، والمختار في وقتها حينما يمضي النهار، ويشتد الحر، لحديث زيد بن أرقم قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم على أهل قُباء وهم يصلون الضحى، فقال: "صلاة الأوَّابين إذا رَمَضت الفِصَال من الضحى". فمن صلَّاها بعد ارتفاع الشمس قدرَ رُمحٍ، فلا بأس، ومن صلَّاها بعد اشتداد الحَرِّ قبل وقت النهي فهو أفضل.
عدد ركعاتها:
وأقل ركعاتها اثنتان كما تقدم في حديث أبي ذر، وأكثر ما ثبت من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثماني ركعات، وأكثر ما ثبت من قوله: "اثنتا عشرة ركعة".
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى أربعًا، ويزيد ما شاء الله. ورُوِي عن جابر وأنس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى الضحى ستَّ ركعات.
وعن أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في بيتها يوم فتح مكة ثمان ركعات، بعدما ارتفع النهار، قالت: فما رأيته صلَّى صلاةً أخفَّ منها، غير أنه يتم الركوع والسجود. وبعضهم يسمِّيها: صلاة الفتح، وهذه كانت لفتح مكة.
وقد ذهب قومٌ منهم: أبو جعفر الطبري - وبه جزم الحليمي والروياني من الشافعية - إلى أنه لا حدَّ لأكثرها. وهو مروي عن الحسن البصري وإبراهيم النخعي.
قال العراقي في شرح الترمذي: لم أرَ عن أحد من الصحابة والتابعين أنه حصرها في اثنتي عشرة ركعة. وكذا قال السيوطي.
وقد دل حديث عمرو بن عبسة رضي الله عنه أن صلاة الضحى لا حد لأكثرها، وفيه: "صلّ صلاة الصبح، ثم أقصِر عن الصلاة حتى تطلع الشمس، حتى ترتفع؛ فإنَّها تطلع بين قرني شيطان، وحينئذٍ يسجد لها الكفار، ثم صلِّ، فإن الصلاة مشهودة محضورة، حتى يستقلّ الظل بالرمح، ثم أقصر عن الصلاة، فإنَّ حينئذٍ تسجر جهنم".
وعليه، فمن صلى ركعتين أجزأته، ومن زاد فقد أحسن، والأولى ألا يزيد عن اثنتي عشرة ركعة؛ لأنها أكثر ما صح فيه الدليل، وإن زاد على ذلك فلا بأس.
ولكن المعروف أن أصل النهار للمعاش والعمل، كما قال تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا} [النبأ:10، 11] لذا لا يليق بنا التوسُّع والتعبد والتنفل، حرصًا على ما رعاه الإسلام من مفارقات بين الأوقات.
هذه الحلقة مقتبسة من كتاب فقه الصلاة للدكتور يوسف عبد الله القرضاوي (رحمه الله) ص328-325