(تحية المسجد)
اقتباسات من كتاب " فقه الصلاة" للدكتور يوسف عبد الله القرضاوي (رحمه الله)
الحلقة: الخامسة و العشرون بعد المائة
ذو القعدة 1444ه/ يونيو 2023م
يرى جمهور الفقهاء أنه يسن لكل من يدخل مسجدًا يريد الجلوس به لا المرور فيه، وكان متوضِّئًا، أن يصلِّي ركعتين تحية له.
والأصل في تحية المسجد حديث أبي قتادة رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دخل أحدكم المسجد، فلا يجلس حتى يركع ركعتين".
قال الإمام النووي فيه: استحباب تحية المسجد بركعتين، وهي سنة بإجماع المسلمين.
ولذلك قال الفقهاء: يُكره لمن دخل المسجد أن يجلس قبل أن يصلِّي ركعتين بلا عذر، ونقل عن الظاهرية: أنَّ تحية المسجد واجبة؛ لحديث أبي قتادة، فإنه يقتضي الوجوب، ومال إليه الشوكاني.
قال الحافظ في «الفتح»: «اتفق أئمة الفتوى على أن الأمر في ذلك للندب. قال: ومن أدلة عدم الوجوب قوله صلى الله عليه وسلم للذي رآه يتخطى: "اجلس، فقد آذيتَ". ولم يأمره بصلاة».
ومن جملة أدلة الجمهور على عدم الوجوب: ما أخرجه ابن أبي شيبة عن زيد بن أسلم قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلون المسجد ثم يخرجون ولا يصلُّون.
وحديث الأعرابي الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عما فرض الله عليه من الصلاة، فقال: "الصلوات الخمس". فقال: هل عليَّ غيرها؟ قال: "لا، إلا أن تطَّوَّع".
فإذا جلس قبل أن يصلي تحية المسجد ناسيًا أو جاهلًا، ولم يطُل جلوسه قام فصلى؛ لحديث جابر رضي الله عنه قال: جاء سُلَيك الغطفاني، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال: "يا سليك، قم فاركع ركعتين وتجوَّز فيهما". فدلَّ الحديث على أنها لا تسقط بالجلوس. أمَّا إن جلس متعمدًا، أو طال الجلوس؛ فإنه لا يقوم لتحية المسجد؛ لأنها تفوت بذلك على المشهور.
صلاة تحية المسجد في أوقات النهي؟
اختلف الفقهاء في ذلك، فقال الشافعية: تُصَلَّى في كل وقت، حتى في أوقات النهي؛ لأنها من ذوات الأسباب.
قال الإمام النووي: «التحية في أي وقت دخل فيه المسجد هو مذهبنا؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى بعد العصر ركعتين، قضاء سنة الظهر، فخص وقت النهي، وصلى به ذات السبب، ولم يترك التحية في حال من الأحوال، بل أمر الذي دخل المسجد يوم الجمعة وهو يخطب، فجلس، أن يقوم فيركع ركعتين، مع أن الصلاة في حال الخطبة ممنوع منها، إلا التحية، فلو كانت التحية تُتْرك في حال من الأحوال، لتُركت الآن؛ لأنه قعد، وهي مشروعة قبل القعود؛ ولأنه كان يجهل حكمها؛ ولأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قطع خطبته وكلَّمه، وأمره أن يصلي التحية، فلولا شدة الاهتمام بالتحية في جميع الأوقات، لما اهتم عليه السلام هذا الاهتمام».
وقال المالكية والحنفية: لا تصلى تحية المسجد في أوقات النهي، وهو مذهب الأوزاعي والليث، وقد ذكرنا ذلك عند الكلام على أوقات النهي عن الصلاة.
كفاية أيِّ صلاة عن تحية المسجد:
وإذا دخل المسجد وقد أقيمت الصلاة، فصلاة الفريضة تقوم مقام التحية، فتحية المسجد يجزئ فيها كل صلاة من فريضة أو سنة راتبة، وأقل ما يجزئ من الصلاة ركعتان، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل أحدكم المسجد، فلا يجلس حتى يصلي ركعتين". فلا تجزئ ركعة واحدة بنية التحية، وكذلك لا تسدُّ صلاة جنازة مكانها؛ لأنها لا تشتمل على ركوع وسجود، وكذا لا يجزئ عنها سجود شكر أو تلاوة.
تكرار التحية بتكرر دخول المسجد؟
ذهب الشافعية إلى القول بتكرر التحية بتكرر الدخول للمسجد.
قال الإمام النووي: «لو تكرَّر دخوله في المسجد في الساعة الواحدة مرارًا؛ قال صاحب «التتمة»: تستحب التحية لكل مرة. وقال المحاملي في «اللباب»: أرجو أن تجزيه التحية مرة واحدة. والأول أقوى وأقرب إلى ظاهر الحديث».
وقال الحنفية والمالكية: تجزيه تحية واحدة.
وهذا الخلاف فيمن تكرر دخوله المسجد في ساعة واحدة.
أما إذا كان الوقت بين الدخول الأول والثاني متباعِدًا، فلا تجزيه تحية واحدة باتفاق العلماء.
تحية المسجد الحرام:
وكل مسجد تحيته الصلاة، إلا المسجد الحرام، فإنَّ تحيته الطواف.
قال الإمام النووي: «الابتداء بالطواف مستحبٌّ لكل داخل، سواء كان مُحْرمًا أو غيره، إلا إذا خاف فوت الصلاة المكتوبة، أو سنة راتبة، أو مؤكدة، أو فوت الجماعة في المكتوبة، وإن كان وقتها واسعًا، أو كان عليه فائتة مكتوبة، فإنه يقدِّم كل هذا على الطواف، ثم يطوف، ولو دخل وقد مُنِعَ الناس من الطواف صلَّى تحية المسجد».
وذكر بعض العلماء: أن البداءة بالطواف إنما تُستحبُّ لمن دخل المسجد الحرام وهو يريد الطواف، وأما إذا دخله يريد صلاة أو نحوها، فليبدأ بتحية المسجد، وهي ركعتين تحية له مثل أي مسجد.
هذه الحلقة مقتبسة من كتاب فقه الصلاة للدكتور يوسف عبد الله القرضاوي (رحمه الله) ص334-330