السبت

1446-06-27

|

2024-12-28

(الحياة فطرة)

من كتاب "فقه الحياة" لمؤلفه الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (فرج الله عنه)

الحلقة: الرابعة

5 ذو القعدة 1444ه/ 23 يونيو 2023م

 

ففي الصحيح من حديث عائشةَ رضي الله عنها قالَتْ: قال رَسُولُ اللَّـهِ ﷺ: «مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّـهِ أَحَبَّ اللَّـهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّـهِ كَرِهَ اللَّـهُ لِقَاءَهُ». فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّـهِ، أَكَرَاهِيَةُ الـْمَوْتِ، فَكُلُّنَا نَكْرَهُ الـمَوْتَ؟! فقال: «لَيْسَ كَذَلِكِ، وَلَكِنَّ الـمُؤْمِنَ إِذَا بُشِّرَ بِرَحْمَةِ اللَّـهِ وَرِضْوَانِهِ وَجَنَّتِهِ، أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّـهِ، فَأَحَبَّ اللَّـهُ لِقَاءَهُ، وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا بُشِّرَ بِعَذَابِ اللَّـهِ وَسَخَطِهِ، كَرِهَ لِقَاءَ اللَّـهِ، وَكَرِهَ اللَّـهُ لِقَاءَهُ».

وذَكَر ربُّنا سبحانه وتعالى أن الشهداء أحياء عند ربهم يُرْزَقون، فكم في الدنيا مِن خير، كمحبَّة الأولاد، والرفق بهم، وقضاء حقوقهم، ولله سبحانه مائة رحمة، ادَّخَرَ منها تسعًا وتسعين رحمة ليوم القيامة، ووَضَع رحمةً واحدةً في الدنيا، فبها يتراحمُ الناسُ والبهائمُ والدوابُّ، حتى ترفَع الدابَّةُ حافرَها عن ولدها؛ خشية أن تصيبَه، وهذه الرحمة تكون للقريب والبعيد.

وليس من الضرورة في الرحمة أن تعطِي شيئًا، ولكن فلْيَكُنْ قلبك رحيمًا، فإذا سمعْتَ معاناةَ إخوانِك المسلمين في أيّ مكان، أو قرأتَ أو رأيتَ القلوب المرعوبة، فحرِّك قلبَك بالرحمة، وادعُ لهم، واستغفر لهم.

كذلك الرحمة بالوالد.. فهو محتاج إلى الرحمة؛ فقد كَبِر سِنُّه، ورَقَّ عظمُه، ووهنت قوته، ولذلك قال ربُّ العزَّة: ﴿وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾.

فيجب أن يكون بناؤنا للحياة مشارَكة وتتميمًا لما يصنعُه الآخرون، وليس تدميراً له.

إنَّ بعض شباب الأُمَّة لديهم مشاريع خاصَّة تتناقض مع مشاريع الأُمَّة بصفة عامَّة، ولذلك لا يبالون مَن يهلك مِن الأُمَّة، ومَن يموت، ومَن يضِلُّ، وما يقَع على الأُمَّة مِن القيل والقال، بينما سيدنا محمد ﷺ لما استأذنه بعض الصحابة رضي الله عنهم في قتل أحد المنافقين، قال: «لا». وعلَّل ذلك بقوله: «دَعْهُ؛ لاَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ».

فلم يقُلِ النبيُّ ﷺ: هذا موقف حقٍّ، وهذا مستحقٌّ للقتل، وهؤلاء فساد في الأرض، فعليك بهم. وإنما رفَض وعلَّل؛ حتى نتعلَّم نحن!

وكذلك لما حاصَر النبيُّ ﷺ الطائف أيامًا معدودات، ومعه الصحابة من المهاجرين والأنصار، فكأنَّ النبيُّ ﷺ استطال الأمرَ، فقال لهم: «إنا قافلونَ غدًا». فقالوا: يا رسولَ اللهِ، نرجع ولم نفتتحه؟ فقال لهم رسول الله ﷺ: «اغدوا على القتال»، فغَدَوا عليه، فأصابهم جِراحٌ، فقال النبيُّ ﷺ: «إنا قافلون غدا»، فأعجبَهم ذلك، فتبسَّم النبيُّ ﷺ.

فيوم واحد فقط جعلَهم يُدْرِكون أنه لا داعيَ لاستمرارهم إلى الأبد، فالحياة ليست معركة إلى الأبد.

إنه ليس صحيحًا أن يظَلَّ الشعب المسلم في حال قتال إلى الأبد، فالحياة ليست قتالًا، ولكن القتال استثناء، فالأصل بناء الحياة وإصلاحها، وعبادة الله سبحانه وتعالى، والتواصل والتقارب، والمصالح العظيمة التي ينتفِع الناس بها، وهذا معنى يجب أن نُدْرِكه، وأن نسعى فيه، وليس بالضرورة أن تكون مشاريع الناس مستقلَّة، فهناك مشاريع ومؤسَّسات في المجتمع، ومِن خلال هذه المشارَكة يتعارفون، ويتشاورون، ويستفيدون من بعضهم البعض.

 

هذه الحلقة مقتبسة من كتاب"فقه الحياة" للشيخ سلمان العودة، صص 19-21


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022