(الحياة عبادة)
اقتباسات من كتاب "فقه الحياة" لمؤلفه الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (فرج الله عنه)
الحلقة: الثالثة
ذو الحجة 1444ه/ يونيو 2023م
والجهاد في سبيل الله هو أحد شرائع الإسلام، قال عزَّ وجلَّ: ﴿يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ﴾، ويقول النبيُّ ﷺ: «جَاهِدُوا الـْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ».
والجهاد أوسع من القتال، فالجهاد هو بَذْلُ الجهد في طاعة الله عزَّ وجلَّ، في أيّ ميدان كان، والمقاتِل قد يرجِع، كما رجع النبيُّ ﷺ مِن الغزو بعد أن تمنَّى أن يُقْتَل في سبيل الله، وتوفي ﷺ في فراشه، وأبو بكر الصديق رضي الله عنه ثاني اثنين إذ هما في الغار، مات في فراشه، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه شهيد المحراب قُتِل في معركة الحياة والبناء والإصلاح، ولما أراد أن يذهب إلى الجهاد في العراق نهاه الصحابة رضي الله عنهم وأجمعوا على أن يبعث رجلا من أصحاب رسول الله ﷺ ويقيم، فبقيَ وأرسل الرسل.
إن العمل بأركان الإسلام الخمسة وإحياءها وتعليمها للناس مِن أعظم الجهاد، وفَهْم أركان الإيمان الستَّة، والدعوة إليها، والتربية عليها، وإقامتها للناس من أعظم الجهاد، والقيام بمصالح الأُمَّة، وقضاء حوائج الناس ولو كانت قليلةً من الجهاد، كان بعض الصحابة مع النبيِّ ﷺ يوماً، فجاء رجل قويٌّ يسعى، فقال الصحابة: لَوْ كَانَ شَبَابُ هَذَا وَنَشَاطُهُ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ! فَقَالَ ﷺ: «أَمَا إِنَّهُ إِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى وَالِدَيْهِ أَوْ أَحَدِهِمَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ، وَإِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى عِيَالٍ يَكْفِيهِمْ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ، وَإِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ عَزَّ وَجَلَّ».
ويَرْوِي أبو بكرة رضي الله عنه أن رجلًا سأل النبيَّ ﷺ: أيُّ النَّاسِ خيرٌ؟ قال ﷺ: «مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ».
قال النبيُّ ﷺ: «إِنَّ الـْمُؤْمِنَ لاَ يَزِيدُهُ طُولُ الْعُمُرِ إِلاَّ خَيْرًا».
وعَنْ عَبْدِ اللَّـهِ بْنِ بُسْرٍ رضي الله عنه، أَنَّ أَعْرَابِيًّا قال: يَا رَسُولَ اللَّـهِ، مَن خَيْرُ النَّاسِ؟ قال: «مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ».
فاستثمِرْ هذا العمرَ في الخير والعبادة، وفي المتعة والسعادة، ولا تظنَّ أنَّ السعادة هي عبارة عن أَمْرٍ مفاجئ تحصُلُ عليه بين عشيَّة وضُحاها.
استمتع وأنت تشرب كأس ماء، أو تتحدث مع أهلك، أو تقرأ كتابًا..
ومِن أحسن المتعة لذة العبادة، فتكون بين الحمد والدعاء والتوسُّل والتضرُّع، فتحصُل على سعادة دنيويَّة كبيرة، وعلى أجر عظيم عند الله عزَّ وجلَّ، حتى الذنب والخطأ الذي تقع فيه ليس مَدْعَاةً لأن تهرُب من الحياة، فالله عز وجل فَتَح باب التوبة، وباب الاستغفار، والنبي ﷺ قال: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّـهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّـهَ، فَيَغْفِرُ لَهُمْ».
إن الموت انقطاع، والنبيُّ ﷺ يقول: «إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاثَةٍ؛ إلا من صدقةٍ جارية، أو علْمٍ يُنْتَفَعُ به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له». فلماذا لا تخطِّط لصدقة جارية، أو علم يُنْتَفَع به، سواءً كان علمًا دينيًّا أم دنيويًّا، أو ولد صالح يدعو لك، فالمشروع الأُسَرِيُّ يبدأ بالزواج، وبناء بيت وأسرة، وتربية أولاد صالحين.
هذه الحلقة مقتبسة من كتاب"فقه الحياة" للشيخ سلمان العودة، صص 19-21