الإثنين

1446-10-30

|

2025-4-28

السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

أمامي عدة آيات من سورة الأحزاب يطعن بها النصارى في النبي صلى الله عليه وسلم، وهي:

1- قال تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً" [الأحزاب:50] في هذه الآية زعم النصارى -من عند أنفسهم- أن النبي صلى الله عليه وسلم -والعياذ بالله- شرع الزنى وحلله لنفسه بدعوى أن الله أحله لهم، فما هو الرد الصحيح على هذه الشبهة بارك الله فيكم؟

2- قال تعالى: "تُرْجِي مَن تَشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاء وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً" [الأحزاب:51] ما هو تفسير هذه الآية التفسير الصحيح، لأنهم يقولون إن الله ظلم نساء النبي صلى الله عليه وسلم بأن جعل العدل بين الزوجات مع بقية المسلمين واجب، أما مع النبي صلى الله عليه وسلم فلا، بينما كان الصحيح أن يكون أن يأمره بالعدل بينهن، فما هو ردكم على هذه الفرية؟ 3- قال تعالى: "وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً" [الأحزاب:37] في هذه الآية يقولون: محمد صلى الله عليه وسلم تزوج زوجة ابنه، فما هو رد هذه الشبهة؟ ويقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم يخشى الناس أكثر من خشيته لله -والعياذ بالله- بدليل قوله تعالى: "وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه" فما هو ردكم عليهم؟ بارك الله فيكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 

 

 

الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وأستعين بالله وحده:

أولاً: جزى الله السائل خيراً للرجوع إلى أهل العلم، فهو أمر الله تعالى: "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون"..

ثانياً: الاطلاع على شبه النصارى والاهتمام بها لا يجب أن يكون هو أولوية المسلم، إلا لأناس متخصصين في الرد على هذه الشبه، لأن الشبه لا تنتهي، ولأنها ليست مصدراً للعلم، ولأنها تملأ عقل المسلم بالتشويش، وقد تثير اضطراباً لديه في المستقبل، فأعداء الإسلام لا يطرحون مسائل الشرع بشكلها الصحيح وإنما بشكلٍ مجتزأ ومشوَّه.

فعموم المسلمين أولويتهم هي التفقه في الدين، وهذا التفقه يكفيهم الرد على هذه الشبه، فهذه الآيات الكريمة لو أن المسلم مطلع على ما قاله المفسرون لكفى نفسه السؤال، ولم يحتج إلى جواب.

ثالثاً: بالنسبة للآيات الكريمة؛ فالآية الأولى تتحدث عن النساء اللاتي يحق للرسول عليه الصلاة والسلام الزواج منهن، ومنهن المرأة التي تهب نفسها له صلى الله عليه وسلم فيوافق على الزواج منها، ولا نعلم أن امرأة من نساء النبي صلى الله عليه وسلم تزوَّجها بهذه الطريقة، ولكن هناك من النساء من وهبت نفسها له صلى الله عليه وسلم فزوَّجها لبعض أصحابه، وليس في الآية أية إشكال؛ لأمرين، أولهما: أن الله تعالى اختصّ رسوله صلى الله عليه وسلم بخصائص لا تصح لغيره كإباحة زواجه صلى الله عليه وسلم بأكثر من أربع، ثانيهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم هو وليّ المؤمنين "النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم" فهو وليّ نفسه وغيره، فهذه المرأة التي تهب نفسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا وليّ لها فهو صلى الله عليه وسلم وليّها، بل إن كل حاكم مسلم ولي من لا وليّ له، فلو تقدمت امرأة لحاكم مسلم ولا ولي لها فللحاكم أن يتزوَّجها أو يزوِّجها لغيره، والفرق بينهما أن النبي صلى الله عليه وسلم يجوز له هبة المرأة نفسها، وغيره لا يحق له وإنما تطلب المرأة تزويجها، وهذا معنى (خالصة لك)..

فإذا تزوَّجها صلى الله عليه وسلم بالطريقة الشرعية بعد موافقتها فلا غبار أبداً على هذا الزواج، ولاحظ أن الله تعالى قال (يستنكحها) أي يتزوجها بالطريقة الشرعية، فأين إباحة الزنى؟ حاشا لرسول الله صلى الله عليه وسلم. ولاحظ أيضاً أن الله تعالى قال (إن وهبت) (إن أراد) فهو دليل على التقليل، واحتمال الحصول، وهو لم يحصل أبداً أن اجتمعت الهبة مع الإرادة.

ونقول أيضاً: لماذا ننظر إلى هذه الآية فقط ونستدل أن الرسول صلى الله عليه وسلم حاشاه يبيح الزنا لنفسه، ونغفل عن سيرته صلى الله عليه وسلم في صفاء نفسه وحسن خلقه وزكاة قلبه وطهارته، والله تعالى زكاه بقوله سبحانه (وإنك لعلى خلق عظيم) فكيف يزكيه وهو يخادع الناس؟ إنها طعن في الله تعالى - حاشاه - لا في رسوله صلى الله عليه وسلم.

والآية الثانية: يدَّعون أن الله تعالى لم يوجب العدل على رسوله مع نسائه صلى الله عليه وسلم، وهذا ظلم لهنّ، ونقول: هل هم أحرص على العدل من الله تعالى ومن الرسول صلى الله عليه وسلم؟ والنبي صلى الله عليه وسلم كان أحرص الناس على العدل مع نسائه صلى الله عليه وسلم حتى إنه لما مرض في آخر حياته استأذن زوجاته أن يمرض في بيت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، ولو كان العدل غير واجب لم يستأذنهن، وأيضاً: فقد كان صلى الله عليه وسلم يقول فيما رواه أهل السنن بسند صحيح (اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما أملك ولا تملك)، يعني الميل القلبي، وهذا دليل على عدله صلى الله عليه وسلم في المبيت والنفقة، وأيضاً: فإن النبي صلى الله عليه وسلم استشار نساءه وخيرهن فيمن ترغب أن تفارقه صلى الله عليه وسلم إلى زوج آخر فلم تختر أي منهن أن تفارقه عليه السلام (إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحاً جميلاً) وهذا دليل على عدله صلى الله عليه وسلم بينهنّ وعدم ظلمه لهنّ.

أما الآية الكريمة فهي تتحدث عن النساء اللاتي يهبن أنفسهن له صلى الله عليه وسلم فله أن يؤخر منهن من يشاء (ترجي من تشاء منهن) ويتزوج من يشاء (وتؤوي إليك من تشاء) ويغير رأيه فيمن رغب عنها (وممن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك) ولا علاقة لهذا بالعدل.

والآية الثالثة: فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن له ابن متزوج حتى يقال إن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج زوجة ابنه، فأبناؤه عليهم السلام كلهم توفوا صغاراً، ولم يبق أحد منهم، حتى قال المشركون: إنه أبتر، لا يعيش له ولد. فأين زوجة ابنه؟ أما زيد بن حارثة رضي الله عنه فقد كان مولى للنبي صلى الله عليه وسلم وكان يقال له ابن محمد؛ لأنه نشأ في كنف النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه حقيقة ليس ابنه، فهو ذو نسب معروف هو زيد بن حارثة بن شراحيل الكناني الكلبي، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبه كثيراً، فعندما يطلق زيد بن حارثة زوجته زينب بنت جحش - وهي قريبة للنبي صلى الله عليه وسلم- لخلافٍ بينهما، ثم يتزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم بعد انتهاء عدَّتها، فهو كأي شخص كان متزوجاً امرأة ثم طلقها أو مات عنها فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده، أما خشية النبي صلى الله عليه وسلم الناس فهو خشيته من كلام الناس وإثارتهم الشبه عليه عندما يتزوج زوجة مولاه، وقد كان أمراً غير معهودٍ في الجاهلية، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصاً على أن لا يطلق زيد زوجته (أمسك عليك زوجك واتق الله) لئلا تسوء سمعته بين الناس فيكون في ذلك باباً للصد عن دينه، ولكن الله تعالى أراد أمراً آخر، أراد الله تعالى أن يصحح تقاليد الجاهلية التي تمنع زواج الرجل بزوجة مولاه بعد طلاقها.

أما خشية النبي صلى الله عليه وسلم ربه فلها أدلة كثيرة، فإن الآية الكريمة لم تقل إن النبي صلى الله عليه وسلم لا يخشى الله أو يخشى الناس أكثر من الله، ولكن ظروف اجتماعية كان يراعيها النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الحالة ويقدِّمها على غيرها وكان غيرها أولى منها، وخشية النبي صلى الله عليه وسلم من الله أكثر من غيره ثابتة في سيرته صلى الله عليه وسلم، فقيامه صلى الله عليه وسلم بالرسالة -مع معارضة قريش بكاملها واليهود وبقية القبائل له- دليل على خشيته صلى الله عليه وسلم من الله أكثر من الناس، فلم يأبه بمعارضتهم ولا بأذاهم، بل تحمل الأذى في سبيل الله، وهذا أكثر من كافٍ في الرد عليهم.

والله تعالى أعلى وأعلم.

 

المجيب
د. عصام بن عبد المحسن الحميدان


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022