الإثنين

1446-10-30

|

2025-4-28

علي زين العابدين بن الحسين من أهم شيوخ زيد بن علي

من كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار (ج2):

الحلقة: 215

بقلم: د. علي محمد الصلابي

12 رمضان 1442 ه/ 24 إبريل 2021

تتلمذ زيد على يد أبيه علي زين العابدين وروى عنه، وقد كان علي زين العابدين عالماً بالحديث لكثرة من أخذ عنهم من الصحابة، والتابعين، بالإضافة إلى اشتغاله بالفقه، وكان هو الأستاذ الأول الذي أخذ عنه زيد بن علي، ولعلي زين العابدين مواقف مشهورة؛ منها:
ـ شدة احترام الناس له، وقصيدة الفرزدق في مدحه:
كان علي زين العابدين له مكانة عظيمة في عيون الناس، وكانوا يحبونه ويقدرونه لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلته لذكرى أبيه الشهيد الحسين رضي الله عنه الذي لم يبق من ولده سواه، وازداد هو إقبالاً على العلم واشتغالاً بالعبادة، حتى لُقّب زين العابدين، وكان يكنى بأبي الحسين، وقيل: بأبي الحسن، وقيل: بأبي محمد. وكان له جلالة عظيمة، وحُقَّ له والله ذلك، فقد كان أهلاً للإمامة العظمى لشرفه وسؤدده، وعلمه وتألّهه وكمال عقله.
ومما يدل على مكانة زين العابدين في عصره: أنه لما حج هشام بن عبد الملك في خلافة أخيه الوليد، أراد أن يستلم الركن فلم يستطع من الزحام، فنصب له منبر، فاستلمه وقام أهل الشام حوله، فجاء زين العابدين ليستلم الحجر فأوسع له الناس إجلالاً له واحتراماً، وكان في بزة حسنة وهيئة حسنة وشكل مليح فقال أهل الشام لهشام: من هذا؟ فقال: لا أعرفه. فقال الفرزدق وكان حاضراً: أنا أعرفه، وأنشد:
هذا سَليلُ حسينٍ وابنُ فاطمةٍ
هذا الذي تعرفُ البطحاءُ وطأَتَهُ
هذا ابنُ خير عبادِ اللهِ كلِّهِمُ
إذا رأتْه قريشٌ قال قائلُها
يُغْضي حياءً ويُغضى من مهابتِهِ
مشقه من رسول الله نبعتُه
هذا ابنُ فاطمةٍ إن كنتَ جاهلَه
كلتا يديه غياثٌ عمَّ نفعُهُما
ما قالَ قطُّ إلا في تشهُّدِه
من معشرٍ حبُّهم دينٌ وبغضهُمُ
مقدمٌ بعدَ ذكرِ الله ذكرُهُمُ
إن عُدَّ أهلُ التقى كانوا أئمتَهُمْ
فليس قولُك مَنْ هذا بضائِرِهِ
بنتِ الرَّسولِ، انجابَتْ به الظُّلَمُ
والبيتُ يعرفُه والحلُّ والحرمُ
هذا التقيُّ النقيُّ الطاهرُ العَلَمُ
إلى مكارمِ هذا ينتهي الكرمُ
فما يكلَّمُ إلا حين يبتسمُ
طابتْ عناصرُها والخيمُ والشيمُ
بجدِّه أنبياءُ اللهِ قَدْ خُتموا
تستوكفانِ ولا يعروهُما عَدَمُ
لولا التَّشهدُ كانت لاءَه نَعَمُ
كفرٌ وقربُهُمُ منجَى ومعتَصَمُ
في كلِّ حكمٍ ومختومٌ به الكَلِمُ
أو قيلَ من خيرُ أَهلِ الأرضِ قيلَ هُمُ
العربُ تعرفُ مَنْ أَنْكَرْتَ والعَجَمُ

فأمر هشام بحبس الفرزدق، فحبس بعُسْفان، وبعث إليه علي بن الحسين باثني عشر ألف درهم، وقال: أعذر أبا فراس، فردَّها وقال: ما قلت ذلك إلا غضباً لله ولرسوله، فردّها إليه وقال: بحقي عليك لما قبلتها، فقد علم الله نيَّتك ورأى مكانك، فقبلها، وكانت أم زين العابدين أم ولد اسمها سلافة بنت ملك الفرس يزدجرد، وقيل: غزالة.
ـ تمسكه بالكتاب والسنة ودفاعه عن الصحابة وحب العلماء له:
كان زين العابدين شديد التمسك بالكتاب والسنة، وما كان عليه جده علي بن أبي طالب وأبوه الحسين الشهيد رضي الله عنهما لا يحيد عنه قيد أنملة في عقيدة أو عبادة أو عمل، كثير التبتل والورع، وكان حسن الرأي بالشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وبالخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه، شديد الحب لهم، والتقدير لأعمالهم، شديد الحب للصحابة أجمعين، فلما أظهر بعض المتسترين بآل البيت الطعن بأبي بكر وعمر تصدَّى لهم زين العابدين؛ ففضح مكرهم وأظهر البراءة منهم، فعن أبي حازم المدني قال: ما رأيت هاشمياً أفقه من علي بن الحسين؛ سمعته وقد سئل: كيف كانت منزلة أبي بكر وعمر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأشار بيده إلى القبر ثم قال: بمنزلتهما منه الساعة.
وعن جعفر بن محمد عن أبيه قال: جاء رجل إلى أبي فقال: أخبرني عن أبي بكر؟ قال: عن الصّدّيق تسأل؟ قال: وتُسميه الصّدّيق؟ قال: ثكلتك أمك، قد سمّاه صديقاً من هو خير منّي، رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمهاجرون والأنصار، فمن لم يُسمّه صديقاً، فلا صدق الله قوله، اذهب فأحبَّ أبا بكر وعمر، وتولّهما، فما كان من أمر ففي عُنُقي.
وعن محمد بن علي عن أبيه، قال: قدم قوم من العراق فجلسوا إليَّ فذكروا أبا بكر وعمر فسبُّوهما، ثم ابتركوا في عثمان ابتراكاً فشتمتهم. وقد قال علي بن الحسين: والله ما قُتل عثمان رحمه الله على وجه الحق.
وكان رحمه الله يبين للناس الحقائق والعقائد الصحيحة، قال علي بن الحسين: جاءني رجل فقال: جئتك في حاجة، وما جئت حاجّاً ولا معتمراً، قلت: وما هي؟ قال: جئت لأسألك: متى يبعث عليّ؟ فقلت: يبعث ـ والله ـ يوم القيامة، ثم تُهمُّهُ نفسه. وعن الزهري قال: سألت علي بن الحسين عن القرآن، فقال: كتاب الله وكلامه.
فقد كان زين العابدين من أئمة أهل السنة والجماعة، وقد استنكر الغلو في حب أهل البيت، فقد قال: أيها الناس أحبونا حب الإسلام، فما برح بنا حبكم حتى صار علينا عاراً.
لقد كان زين العابدين ثقة مأموناً رفيعاً ورعاً، وكان يأتي لعبيد الله بن عبد الله، وكان هذا العالم إذا دخل في صلاته فقعد إليه إنسان لم يقبل عليه حتى يفرغ، وإنّ عليَّ بن الحسين كان من أهل الفضل وكان يأتيه، فيجلس إليه، فيطول عبيد الله في صلاته ولا يلتفت إليه، فقيل له: عليٌّ وهو ممَّن هو منه، فقال: لا بُدَّ لمن طلب هذا الأمر أن يُعنَّى به.
وكان زين العابدين متواضعاً حريصاً على طلب العلم، فكان يدخل المسجد، فيشق الناس حتى يجلس في حلقة زيد بن أسلم، فقال له نافع بن جبير: غفر الله لك! أنت سيّدُ الناس، تأتي تتخطَّى حتى تجلس مع هذا العبد، فقال علي بن الحسين: العلم يبتغى ويُؤتى ويطلب من حيث كان.
وكان لا يستنكف أن يسأل عن العلم، وكان من شيوخه: سعيد بن جبير، فعن مسعود بن مالك: قال لي علي بن الحسين: تستطيع أن تجمع بيني وبين سعيد بن جبير؟ قلت: ما حاجتك إليه؟ قال: أشياء أريد أن أسأله عنها، إن الناس يأتوننا بما ليس عندنا.
وعن الزهري قال: كان علي بن الحسين من أفضل أهل بيته وأحسنهم طاعة وأحبهم إلى مروان وإلى عبد الملك، وكان يصلي خلف الأمويين من غير تقية، فعن أبي جعفر، قال: إنا لنُصلي خلفهم ـ يعني الأمويين ـ من غير تقيَّة، وأشهد على أبي أنه كان يُصلي خلفهم من غير تقيَّة. وقد شهد سعيد بن المسيب لعلي بن الحسين بشدة ورعه، وقال: ما رأيت أورع منه ، وقال جويرية بن أسماء: ما أكل علي بن الحسين بقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم درهماً قطُّ.
ـ زهده وعبادته ودعاؤه وصدقاته:
كان علي بن الحسين عابداً زاهداً وفياً جواداً منيباً، أجمع معاصروه أنه كان أعبد الناس؛ وكان إذا مشى إلى الصلاة
أخذته رعدة، فقيل له، فقال: تدرون بين يدي من أقوم ومن أُناجي؟!
وعنه: أنه كان إذا توضَّأ اصفرَّ،وقيل: إنه كان يُصلي في كل يوم وليلة ألف ركعة إلى أن مات. وكان يسمى زين العابدين لعبادته، وقال عنه ابن تيمية: علي بن الحسين زين العابدين وقرة عين الإسلام لكثرة ما اشتهر عنه من عبادة وزهد وورع وتسامح وعلو أخلاق، وكان كثير القيام، كثير البر في رمضان، وكان كثير الصدقة في الحج، كثير الصدقة في سائر أحواله، وكان يحمل الخبز بالليل على ظهره يتبع به المساكين في الظلمة ويقول: إن الصدقة في سواد الليل تطفئ غضب الرب، وكان ناس من أهل المدينة يعيشون لا يدرون من أين كان معاشهم، فلما مات علي بن الحسين، فقدوا ذلك الذي كان يؤتون بالليل. ولمّا مات عليُّ بن الحسين وجدوا بظهره أثراً ممّا كان ينقل الجرب بالليل إلى منازل الأرامل، ولما مات وجدوه يعول مئة أهل بيت.
وكان كثير الدعاء؛ فعن طاوس قال: سمعت علي بن الحسين وهو ساجد في الحجر يقول: عُبَيْدُكَ بِفنائك، مسكينُك بفنائك، سائلك بفنائك، فقيرك بفنائك. قال: فو الله ما دعوت بها في كرب قط إلا كُشف عني. وكان يقول: اللهم إني أعوذ بك أن تُحسّن في لوائح العيون علانيتي، وتُقبّحَ في خفيات العيون سريرتي؛ اللهم كما أسأتُ وأحسنتَ إليَّ، فإذا عُدت، فعد عَلَيَّ.
ـ وفاته:
مات سنة أربع وتسعين، وروي ذلك عن جعفر الصادق، وقيل: سنة اثنتين وتسعين، وقيل: سنة ثلاث وتسعين. وقيل: سنة خمس وتسعين، والأول أصح. وقبره بالبقيع، ولا بقية للحسين بن علي إلا من قبل ابنه زين العابدين.

يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC9(1).pdf
الجزء الثاني:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC139.pdf
كما يمكنكم الاطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022