(في معنى اسم العليم)
الحلقة: 40
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
إنّ اسم العليم ذُكر بوضوح في قصّة يوسف عليه السلام في مواطن متعدّدة. وعندما نتدبّر اسم الله العليم نعلم أن العلم كلّه بجميع اعتباراته وجوهره لله تعالى، فهو يعلم الأمور المتأخرة، أزلاً وأبداً، ويعلم ظواهر الأشياء وبواطنها، غيبها وشهادتها، ما يعلم الخلق منه وما لا يعلمون، ويعلم تعالى الواجبات -أو المستحيلات- والجائزات، ويعلم تعالى ما تحت الأرض السفلى ويعلم ما فوق السماوات العلى، ويعلم تعالى جزئيّات الأمور وخبايا الصدور، وخفايا ما وقع ويقع في أرجاء العالم وأنحاء المملكة؛ فهو الّذي أحاط علمه جميع الأشياء في كلّ الأوقات، ولا يعرِض تعالى لعلمه خفاء، ولا نسيان؛ كقوله في غير موضع: ﴿ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282) ﴾ [البقرة: 282]، وقوله سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ [آل عمران: 199].(1)
فالله عزّ وجلّ علمه شامل لكلّ شيء في السماوات والأرض، ولكلّ ما يلج في الأرض وما يخرج منها، وما ينزل من السماء وما يعرج فيها، وعلمه بمفاتيح الغيب وما يحدث من صغير أو كبير في البر، أو في البحر، وعلمه بمكنونات القلوب، وما تخفقيه الصدور، وما توسوس به النّفوس، وعلمه بكلّ ما يقوله له العباد، ويعملونه سراً وعلانية، وعلمه بما في الأرحام لكلّ أنثى، وعلمه سبحانه لكلّ الأشياء قبل وقوعها، وأنّ ذلك في كتاب، وله الحكمة البالغة في تقديرها. وعلمه سبحانه بأحوال عباده تقيّهم وفاجرهم، وغنيهم وفقيرهم، وغير ذلك من الفوارق. وذلك قبل أن يخلقهم ويكلفهم، وأنّ توفيقه لمن يشاء وخذلانه لمن يشاء إنّما يكون عن علم بأحوال عباده، وعن حكمة بالغة، وعلمه سبحانه محيط، ودقيق بكلّ مناجاة بين اثنين فأكثر مهما أسروّا النّجوى، وعلمه شامل لما ينزل من الشرائع على رسله، وأنّه أعلم بما ينزل وبما يصلح لعباده، واختص الله عزّ وجلّ نفسه بعلوم الغيب.
إنّ الله سبحانه - لكمال علمه - يعلم ما كان ويكون، ومالم يكن لو كان كيف يكون، أي إنّه تعالى يعلم الأمور الماضية الّتي وقعت، والأمور المستقبلية الّتي لم تقع بعد، ويعلم الأمور الّتي لم تقع لو فرض أنّها تقع كيف تقع، وهذا من كمال علمه بالغيب وعواقب الأمور. ولا شك أنّ يعقوب ويوسف - عليهم السلام - آمنوا إيماناً عظيماً باسم العليم وعرفوا عظمة الله تعالى من خلال أسمائه الحسنى وصفاته العلى وأثمر يقينهم بعلم الله الشامل وقدرته المطلقة ومشيئته النافذة وحكمته العظيمة في وضع الأشياء مواضعها.
والإيمان باسم الله تعالى العليم اقتضى محبّة يعقوب ويوسف - عليهم السلام - للعلم والحرص عليه، وتطوير ملكاتهم وأدواته المعرفيّة؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى العليم، يحبّ كلّ عليم يسير في طريق التّعلم والتّعليم والمعرفة الّتي تدلّ على حقائق الأمور وتعمّق الصّلة بالله تعالى وعباده على هذه الأرض. إنّنا مطالبون بتعميق الإيمان في نفوسنا، وتحقيق التّوحيد في قلوبنا، والسّير على منهج الله في حياتنا. وإنّ التأمل في قصّة يوسف تعالى بأبعادها المتعدّدة وأعماقها المتنوعة والوقوف مع أسماء الله الحسنى وصفاته العُلا والحرص على حفظها وفهمها والتعبد به؛ تفتح للإنسان الّذي يريد أن يتّصل بموكب الأنبياء والمرسلين آفاقاً رحبة وحياة طيبة.(2)
مراجع الحلقة الأربعون:
1 ولله الأسماء الحسنى، عبد العزيز الجليل، ص 335.
2 المصدر السابق نفسه، ص 352 ، 353.
يمكنكم تحميل كتاب النبي الوزير يوسف الصديق عليه السلام
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي