السيطرة على العاصمة دمشق وقتل الوليد بن يزيد
من كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار (ج2):
الحلقة: 234
بقلم: د. علي محمد الصلابي
شوال 1442 ه/ يونيو 2021
كان يزيد بن الوليـد فطناً لبقـاً يجيد تقدير الأمور والتأني لهـا ، واختيار الوقت المناسب لتنفيذها ، فاحتوى الجماعات الأموية واليمنية والقدرية المناهضة للوليد ، ووعدها بحل مشاكلها وتحقيق مطالبها ، فشدَّت من عزمه وشدَّ من عزمها ، ونظمها وأحسن استغلالها ، وأعدها حتى تسنح الفرصة للانقلاب على لوليد.
1ـ خطة إعلان الحركة وتنفيذها:
وضع يزيد بن الوليد خطة محكمة لإعلان الحركة ، واستيلائها على مقاليد الأمور بدمشق ، مستغلاً الظروف في تلك الفترة ، فقد انتشر الطاعون في بلاد الشام ، إضافة إلى انحباس المطر وانتشار الجفاف. وكانت العاصمة دمشق خالية في تلك الأيام من الخليفة وكبار رجال دولته ، فكان الخليفة الوليد بن يزيد معتزلاً في البادية للعلاج من عارض صحي ألمَّ به ، ومبتدياً هرباً من الطاعون. وكان عامله على دمشق عبد الملك بن محمد بن الحجاج بن يوسف قد خاف الوباء ، فخرج عن دمشق واستخلف عليها ابنه.
وحددت ليلة الجمعة 21 جمادى الاخرة 126 هـ/9 نيسان 744 م موعداً لإعلان الحركة في دمشق. واقتضت الخطة دخول يزيد بن الوليد سراً إلى دمشق مع بعض أخلص أعوانه ، والاختفاء في دار ثابت بن سليمان الخشني ، لحين صلاة العشاء حتى يبادر ومن معه في الاستيلاء على المسجد ، والقصر والخزائن ، وإلقاء القبض على أتباع وأنصار الوليد في دمشق، متفقاً وإياهم على شعار سري للحركة بحيث لا تفتح أبواب المدينة إلا لمن نادى بشعاره. وأن يقدم أنصار الحركة من الغوطة ليدخلوا دمشق في مسيرة تظاهرية حاشدة ، مخترقين شوارع العاصمة دمشق من أبوابها ، متجهين صوب المسجد حين يكون يزيد ومن معه من أتباعه بانتظارهم؛ املين من هذه التظاهرة إشعار الناس بقوة الحركة وكثرة أنصارها ، وأن يكون لعنصر المفاجأة أكبر الأثر في نجاح الحركة في مقصدها ومراميها ، ثم البدء بتجهيز الجيش الذي سيقاتل الوليد بن يزيد وقد تمّ تنفيذ الخطة بنجاح ، وألقي القبض على رجالات الوليد وممثليه في العاصمة دمشق ، وطالت الحملة كافة أعوانه وأنصاره ومؤيديه ، وشرع يزيد وأنصاره في إحكام السيطرة على مداخل دمشق وأبوابها ، وأصدر أوامره لبوابي المدينة ألا تفتح الأبواب صبيحة يوم الجمعة إلا لمن نادى بشعار الحركة ، وكلف يزيد أمراء البيت الأموي المشاركين في الحركة العمل على ضمان استتباب الوضع للحركة في دمشق من خلال قيامهم بدعوة الناس إلى النظام والعمل على فرض الأمن في مناطق دمشق ، فأمر عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك بالمرابطة بباب الجابية ، والوليد بن روح بن الوليد بالمرابطة بالراهب ، لضمان الأمن والنظام فيها ، وأمر بني الوليد بن عبد الملك: الانتشار بين الأهالي وحضهم على الطاعة والنظام ودعم الحركة. فيما كان مناديه ينادي: من كان له عطاء فليأتِ إلى عطائه ، ومن لم يكن له عطاء فله ألف درهم معونة. جذباً منه للأهالي للحركة ، ودعوة أو حملاً لهم على النظام والطاعة.
2 ـ إرسال جيش للوليد بن يزيد:
بعد أن فرضت الحركة هيمنتها على دمشق وهدأت الأحوال فيها ، باشر يزيد بن الوليد بتجهيز جيش الحركَة لتوجيهه للخليفة الوليد بن يزيد ، فأخذ يندب الناس للمشاركة فيه ، ويلاحظ من المصادر الإحجام عن الانخراط فيه ، إذ ندب الناس أولاً مقابل ألف درهم لكل مشارك ، فانتدب ألف ، فلما رفع المبلغ إلى ألف وخمسمئة درهم انتدب له ألف وخمسمئة مشترك ، فلما رفع المبلغ إلى ألفين انتدب ألفان ، وعين عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك قائداً له، وانطلق عبد العزيز إلا أن أعداد كبيرة انسحبت في الطريق ، وعندما علم الوليد بزحف الجيش نحوه شرع في اتخاذ الخطوات والإجراءات لملاقاة جيش الحركة الموجه لقتاله ، فخرج من الأغدف ـ ماء بالقرب من عمّان البلقاء ـ باتجاه البخراء ، وهناك بدأ بتجنيد الأهالي في جيشه ، وعندما وصل جيش الوليد إلى البخراء بدأ في تهيئة الأمور لملاقاة جيش الحركة الذي ما لبث أن وصل إلى تلك المنطقة ، ونشب القتال ، وكانت الدائرة في بداية المعركة على جيش الحركة ، وأدى اشتداد القتال إلى انكشاف جيش الحركة وتراجع أفراده ، الأمر الذي دفع عبد العزيز إلى الترجل وحث جنده على القتال ، فعادوا إلى المعركة كارين مرة أخرى.
ولم تلبث كفة جيش الحركة أن أخذت ترجح في المعركة ، ويعود السبب في ذلك إلى أن جيش الحركة تمكن من أسر العباس بن الوليد أثناء توجهه لنصرة الخليفة الوليد ، واستغلوا الفرصة ورفعوا راية ونادى المنادي: هذه راية العباس وقد بايع لأخيه يزيد أمير المؤمنين ، ونادى منادي عبد العزيز: من لحق بالعباس فهو امن ، وكانت نتيجة هذه الخطوة أن رجحت كفّة جيش الحركة ، وأخذ الوهن يتسرب إلى نفوس جند الخليفة؛ إذ أسقط في أيدي أصحاب الوليد وانكسروا. وتفرق الناس عن الوليد وأتوا العباس وعبد العزيز وحاول الوليد بث العزيمة في جنده ، وقاتل معهم قتالاً شديداً ، وعمل على إلهاب حماسهم وإغرائهم بالمال ، وأعلن أن من جاء برأس من رؤوس أفراد جيش الحركة فله خمسمئة درهم. وفي نفس الوقت أخذ يعمل على استمالة عبد العزيز بن الحجاج قائد جيش الحركة ، فبعث إليه الوليد بن خالد الكلبي ، قائد الميسرة ، ليبلغه وعد الخليفة الوليد: بأن يعطيه خمسين ألف دينار ، ويجعل له ولاية حمص ما بقي ، ويؤمنه على كل حدث ، على أن ينصرف ويكف ، إلا أن عبد العزيز رفض العرض رغم معاودة الوليد له مرة أخرى.
بدأ موقف الوليد يضعف أمام جيش الحركة ، وأدرك أصحابه حرج موقفه وتمت خيانات كبرى في ميسرة الوليد وميمنته ، وأمام العروض المغرية والأموال المجزية انضمت ميسرة وميمنة جيش الخليفة إلى جيش الحركة ، وبذلك حسم مصير المعركة نهائياً لصالح الحركة ، فانهزم من بقي مع الوليد بن يزيد ، واثر الوليد الاحتماء بحصن البخراء ، فأطبق جيش الحركة الحصار حوله.
يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC9(1).pdf
الجزء الثاني:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC139.pdf
كما يمكنكم الاطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com