مشاركة اليمنية في حركة يزيد بن الوليد الانقلابية
من كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار (ج2):
الحلقة: 232
بقلم: د. علي محمد الصلابي
شوال 1442 ه/ يونيو 2021
تراكم تَذمُّر اليمنية وتسخطهم بالشام والعراق ، وكانوا بدؤوا يضجون بالشكوى من بني أمية ،يتضجرون منهم في نهاية القرن الأول بعد محق عبد الملك بن مروان لعبد الرحمن بن الأشعث الكندي ، ومن التفوا حوله من اليمنية وغيرهم ، ثم حنقهم على بني أمية في بداية القرن الثاني عندما نكب يزيد بن عبد الملك المهالبة وكاد يُفنيهم ، وتنامى حقد اليمنية في اخر أيام هشام حين أقصى خالداً عن العراق. وتصدّى الوليد بن يزيد لخالد بن عبد الله القسري ، لأنه قاوم رغباته السياسية فسجنه وأذن في ضربه. وكان قتل يوسف بن عمر الثقفي لخالد خاتمة النكبات التي حاقت باليمنية وبعثتهم على التدبير المتقن لخلع الوليد واغتياله ، ثأراً لدماء زعمائهم المراقة ، وكرامتهم المهدرة ، وسلطتهم الضائعة ، وقضاء على نفوذ المضرية من قيس وتميم ، الذين أيدوا بني أمية ومكّنُوهم من اليمنية ، ولبلوغ ذلك لجأ اليمنية في الشام إلى وسيلتين:
أ ـ الأولى: إعلامية دعائية تحريضية: قصدوا منها إلى استفزاز أبناء عشائرهم ، وإذكاء حميتهم وأنفتهم ، بإثارة العصبية القبلية بينهم وبين القيسية فوضعوا على لسان الوليد بن يزيد قصيدة طويلة في تقريع اليمنية وذمهم ، والتشفي باندحارهم ، وتقلُّص سلطانهم ، وفي تمجيد القيسية ، والافتخار بجبروتهم وعظمتهم ، وسحقهم لليمنية ، وهي تتوالى على هذا النمط:
ألمْ تَهْتجْ فَتدَّكِرَ الوِصَالاَ وحبلاً كانَ مُتَّصِلاً فزالا
بَلَى فالدَّمْعُ منك له سجامٌ كماءِ المُزنِ ينسجلُ انسجالا
فدعْ عنكَ ادّكارَ الِ سعدى فنحنُ الأكثرونَ حَصىً ومالا
ونحنُ المالكونَ النّاسَ قَسْراً نُسومُهُم المذَّلةَ والنكالا
وَطِئْنَا الأشْعَريَّ بِعزِّ قيسٍ فيا لكِ وطأة لن تُستقالا
وهذا خالدٌ فينا أَسير ألا مَنَعُوه إن كانوا رجالا
عَظِيمُهُم وسَيدُهُم قديماً جعلنا المخزيات له طلالا
فلو كانتْ قبائلُ ذاتُ عِزّ لما ذهبتْ صنائعُهُ ضَلالا
ولا تركوهُ مسلوباً أسيراً يُسامِرُ مِنْ سَلاسلنا الثّقالا
وكندةُ والسَّكُونُ فما استقالوا ولا برحتْ خُيولُهُمُ الرّجالا
بها سُمْنا البَرِيَّةَ كلَّ خَسْفٍ وهدَّمْنَا السهولةَ والجبالا
ولكنَّ الوقائعَ ضعضعتْهُم وَجذَّتْهُم وردَّتْهُم شِلالا
فما زالوا لنا أبداً عبيداً نَسُومُهُمُ المَذَّلَةَ والسَّفَالا
فأصبحتِ الغداةَ عليَّ تاجٌ يملُك النَّاسَ ما يَبْغي انتقالا
يختلف الأخباريون والمؤرخون في صاحب القصيدة ، أما رواة اليمنية فيقطعون بأنها للوليد ، وفي ذلك يقول الطبري مُتَحرّزاً من روايتهم: قال الوليد بن يزيد ـ فيما يزعم الهيثم بن عدي ـ شعراً يوبخ به أهل اليمن في تركهم نصرة خالد بن عبد الله.
وعلى الرغم من أن الأخباريين كالمدائني ومن أخذوا عنه كالبلاذري والطبري وابن خلدون يجمعون على أن القصيدة مفتعلة ، لفَّقها أحد شعراء اليمنية ونحلها للوليد ، فإن أسلوب القصيدة يرجح أنها ليست للوليد ، فهو أسلوب جزل معقول سهل ، لا التواء فيه ولا خشونة ولا غرابة ، مما يخالف أسلوب الوليد في شعره الفخري ، الذي يتصف بقلة التنقيح ، والتهذيب ، وببعض العوض والقلق ، وتنتشر فيه أوابد الألفاظ وشواردها ، ويشيع فيه وحشي الكلام ومهجوره.
وقد ساهم منصور بن جمهور الكلبي في تحميس القبائل اليمانية ، وَحثّها على تقويض حكم بني أمية متهماً لهم بالطغيان والعدوان ، ودامغاً خلفاءهم المتأخرين بأنهم ولدان وغلمان ، ومندداً بسياستهم ، وفتكهم برؤساء اليمنية وتقريبهم للمضرية ، وأنشد في هذه المعاني أبياتاً من الشعر.
وناصر اليمنية في حملته الإعلامية التحريضية على الوليد وبني أمية بعض شعراء ربيعة؛ مثل: حمزة بن بيض الحنفي الكوفي ، وذكر في أشعاره الظلم والمجانة والانحراف ، وارتكاب المعاصي والإلحاد.. فألهبت هذه القصائد التي تصايح بها شعراء اليمنية وأحلافهم من الربيعية عواطف اليمنية ، وفجرت نقمتهم على الوليد والمضرية ، إذ يقول أبو حنيفة الدينوري واصفاً أثر القصيدة الأولى في اليمنية: ولما سمع من كان بأقطار الشام من اليمانية هذا الشعر أنِفوا أنفاً شديداً ، فاجتمعوا في مدن الشام ، وساروا نحو الوليد بن يزيد.
ب ـ وأما الوسيلة الثانية التي لجأ إليها اليمنية في الشام فهي التخطيط السري المنظم للثورة على الوليد: فجعلوا يبحثون عن زعيم يثقون به ، ويشاركهم الامهم وامالهم ، بعد أن استنكف خالد بن عبد الله القسري عن قيادتهم ، وخذلهم قبل هلاكه ، فوجدوا في يزيد بن الوليد بن عبد الملك الزعيم المنشود ، إذ كان حانقاً على الوليد مثلهم ، وكان يُفتش عن أنصار مخلصين ، وزاد من اطمئنان اليمنية إليه وإقبالهم عليه أنه كان مُصهراً إليهم ، فقد كان متزوجاً امرأة منهم اسمها هند بنت زبان الكلبي، وكان له منها ثلاثة أبناء؛ هم: أبو بكر ، وعبد المؤمن ، وعلي ، فأتاه رؤساء اليمنية وفاوضوه في خلع الوليد والمبايعة له بالخلافة ، فوافقهم وتعاهدوا على أمرهم.
ويحتفظ المؤرخون بأسماء كثيرين منهم ممن تردَّدُوا على يزيد ، وشجعوه على الثورة ، منهم: منصور بن جمهور الكلبي ، ومنهم: طفيل بن حارثة الكلبي ، وبشر بن هلباء الكلبي ، وعبدالرحمن بن مصادر الكلبي ، وثابت الخشني ، وانضاف إلى يزيد بن الوليد سائر رؤساء اليمنية الذين كانوا اتصلوا بخالد بن عبد الله القسري واستنفروه ، وعرضوا عليه أن ينضم إليهم ويتزعمهم للإطاحة بالوليد.
وقد اعتمد يزيد بن الوليد على رؤساء اليمنية في مناصرته ، وتأليب الناس على الوليد ، وبايع له عامة أهل دمشق وأعيانهم من اليمنية وكان بعض اليمانية يتتبعون أخبار الناس ويرصدونها ويرسلونها إلى يزيد بن الوليد ، إذ يقول عمرو بن مروان الكلبي: سمعت محمد بن سعيد بن حسان الأردني قال: كنت عيناً ليزيد بن الوليد بالأردن ، فلما اجتمع له ما يريد ولاّني خراج الأردن ، فكان للقبائل اليمنية الشامية دور كبير في الحث على الثورة على الوليد ، دفعها إليه انحطاط مكانتها السياسية وفتك بني أمية بالمتمردين من زعمائها ، وتعاظم سلطان القبائل القيسية في دمشق والعراق وخراسان ، وكان المتسرعون زعماء اليمنية بدمشق يُفَضلون العمل في سبيل خلافة يمنية خالصة ، فلما صعب ذلك عليهم ، لاذوا بيزيد بن الوليد ، واحتشدوا عليه ، وعَبَّؤوا أنفسهم لمؤازرته ، وظلوا ينتظرون اليوم الموعود للخلاص من الوليد ، واستعادة نفوذهم المفقود.
يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC9(1).pdf
الجزء الثاني:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC139.pdf
كما يمكنكم الاطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com