الأحد

1446-10-29

|

2025-4-27

ظروف تولي الوليد بن يزيد بن عبد الملك الخلافة

من كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار (ج2):

الحلقة: 228

بقلم: د. علي محمد الصلابي

شوال 1442 ه/ يونيو 2021


هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم ، أبو العباس الأموي الدمشقي ، ولد سنة 90 هـ/709 م ، ولم يتمكن أبوه من استخلافه لصغر سنه ، فعقد لأخيه هشاماً ، وجعل الوليد ولياً للعهد بعد هشام، كانت له ألقاب عدّة: فلقب بالبيطار ، ولقب بخليع بني مروان ، والفاتك. وأمه أم الحجاج بنت محمد الثقفية.
وجاء وصفه في الفوات للكتبي: أنه كان وسيماً جسيماً ، أبيض مشرباً بالحمرة ، ربعة ، قد وحظه الشيب. وأما السيوطي فقال عن مروان بن أبي حفقة: كان الوليد من أجمل الناس ، وأشدهم وأشعرهم ، ويقول السيوطي في موضع اخر: كان فاسقاً شريباً للخمر ، منتهكاً حرمات الله. ويقول العصامي: كان أكمل بني أمية أدباً وفصاحةً ، وأعرفهم باللغة والحديث ، وكان جواداً مفضالاً ، ولم يكن في بني أمية أكثر منه إدماناً للشرب والسماع ، ولا أشد مجوناً وتهتكاً منه ، واستخفافاً بالدين وأمر الأمة ، وتبالغ
بعض المصادر في وصف سلوكه السيِّأى ، في حين تنفي بعض المصادر الأخرى عنه ذلك وتصفه بالخليفة المجمع عليه.
أولاً: خلافته:
كان الوليد مغاضباً لهشام في حياته ، حتى خرج وأقام في البرية ، ولم يزل مقيماً بها حتى مات هشام ، فجاءه الكتاب بموته وبيعة الناس له ، فكان أول ما فعل أن كتب إلى العباس بن عبد الملك بن مروان أن يأتي الرصافة فيحمي ما فيها من أموال هشام وولده وعياله وحشمه؛ إلا مسلمة بن هشام فإنه كلّم أباه في الرفق بالوليد ، فقدم العباس الرصافة ففعل ما كتب به الوليد ، وقد أثر عن الوليد شعر كثير في الشماتة بهشام.
ويقول الطبري: إن هشاماً كان مكرماً للوليد ، معظماً ، ولا يزال هشام على ذلك حتى ظهر من الوليد بن يزيد مجون وشرب الخمر ، وقد حمله على ذلك عبد الصمد بن عبد الأعلى الشيباني ، واتخذ الوليد ندماء.
ومما ذكره المؤرخون عن سلوكه ما ذكره ابن كثير فقال: أراد هشام أن يقطع ندماء الخمر عن الوليد ، فولاّه الحج سنة 116 هـ/735 م ، فحمل معه كلاباً للصيد في صناديق ، فسقط منه صندوق ، فانهالوا على الحمال بالسياط حتى أوجعوه ضرباً ، وأراد أن ينصب القبة على ظهر الكعبة ويجلس فيها ويشرب الخمر، فخوفه أصحابه ، وقالوا: لا تأمن الناس علينا وعليك ، فلم يحركها ، وظهر للناس منه تهاون بالدين واستخفاف به. وبلغ ذلك هشاماً فأراد أن يخلعه ـ وليته فعل ـ وأن يوليَ بعده مسلمة بن هشام ، وأجابه إلى ذلك جماعة من الأمراء ومن أخواله ، ومن أهل المدينة ومن غيرهم ، وليت ذلك تمّ ، ولكن لم ينتظم.
ثانياً: عنايته بشؤون الدولة:
استهل الوليد خلافته بالاهتمام بأحوال رعيته اهتماماً شاملاً؛ إذ شرع في إعداد الخطط ، وجدَّ في تنفيذها لتحسين أوضاع المواطنين المعاشية تحسيناً ملحوظاً ، كسباً لودهم وإظهاراً لفضله على هشام بن عبد الملك ، ولبلوغ هذه الأهداف اتخذ الوليد ثلاثة قرارات:
1 ـ رفع مستوى الخدمات التي تقدمها الدولة للمواطنين في العاصمة ، فواسى البؤساء والضعفاء والعجزة والقاعدين والمكفوفين من أهل الشام ، ووزع المعونات والهدايا على أطفالهم.
2 ـ زيادة رواتب المواطنين المسجلين في ديوان العطاء: فرفع رواتب أهل الأمصار جميعاً عشرة دراهم ، ومنح أهل الشام عشرة دراهم أخرى ، وضاعف الأعطيات والهبات لأقربائه الذين قدموا عليه ، وأعلنوا مساندتهم له ، وأكرم كل من قصدوه وسألوه.. وتألف أهل المدينة ومكة واسترضاهم ، فأعاد إليهم أرزاقهم وحقوقهم المالية.. فأنفق الوليد في هذه الوجوه والسبل الإصلاحية ما حاز من ثروة هشام ، وما وجد في خزائن الدولة من أموال ، حتى أفلس ، ووقع في ضائقة خانقة.
ووضَّح الوليد القرارين السابقين من خطته الإصلاحية في قصيدة عينية طويلة له ، ضاع أكثرها وسلم أقلُّها ، قالها على المنبر بدمشق لما بويع بالخلافة ، ثم أمر بكتابة نسخ منها لتُوزَّع على الأمصار المختلفة، وأرسل نسخة منها إلى المدينة. ، وهو يُحَيِّي فيها أهل الأمصار ويعدهم بخير عميم ، ويلتزم رواتبهم في موعدها المحدد الثابت كل سنة دون تأخير أو مماطلة ، وتعهد بزيادة رواتبهم زيادة مجزية ، ويُمنيهم بحياة رغيدة إن عاش ، وامتدت خلافته ، فهو يقول:
ألا أيُّها الرَّكْبُ المُحيُّون أبلغوا سلامي سُكّان البلادَ فأسمعُوا
وقولُوا أتاكم أشبهَ الناسِ سُنَّةً بوالدِهِ فاستبشروا وتوقَّعُوا
سيُوشكُ إلحاقٌ بكمْ وزيادةٌ وأعطيةٌ تأتي تباعاً فتشفعُ
مُحَرّمُكُم ديوانكم وعطاؤكم به بكتبِ الكتَّابُ والكتبِ تطبعُ
ضمنتُ لكم إن لم تصابوا بمهجتي بأن سماءَ الضُّرِّ عنكم سُتقلِعُ.

3 ـ أما القرار الثالث الذي اتخذه الوليد لتحسين أوضاع المواطنين بالشام؛ فيتمثل في بناء بعض المنشات المائية للنهوض بالزراعة وتوسيع رقعة الأراضي التي تُزرع في الصيف ، وزيادة محاصيلها ، ورفع العاملين بها. فأقام (جسر الوليد)على طريق أذَنَةَ من المصَيِّصة على تسعة أميال ، وشَيَّد مشروع أُسَيْس المائيعلى بعد ثلاثة وثمانين ميلاً شرقي دمشق ، وهو يشتمل على جهاز للري يستخدم للانتفاع بمياه الأمطار
4 ـ اهتمامه بشؤون الدولة العسكرية: عُني الوليد بشؤون الدولة العسكرية، ولم يفرط فيها ، ولكن حركة الجهاد كانت قد ضعفت منذ نهاية العقد الأخير من القرن الأول ، وتحوّل دور المسلمين في حدودهم الشرقية مع الترك ، وحدودهم الشمالية مع الروم من الهجوم والفتح إلى الدفاع والحفاظ على البلدان التي نشروا الإسلام فيها ، وبسطوا سلطانهم عليها ، ومع ذلك فإنه تمَّت في عهد الوليد بعض الفتوح الجديدة ، وأغار بعض إخوته على الروم غارات كثيرة ناجحة.
ففي خلافة الوليد فتحت قبرص؛ إذ أغزى الوليد بن يزيد أخاه الغمر بن يزيد بن عبد الملك وأمّرَ على جيش البحر الأسود بن بلال المحاربي ، وأمره أن يسير إلى قبرص ، فيخيرهم بين المسير إلى الشام إن شاؤوا ، وإن شاؤوا إلى الروم ، فاختارت طائفة منهم جوار المسلمين ، فنقلهم الأسود إلى الشام ، واختار اخرون أرض الروم ، فانتقلوا إليها. وولَّى أخاه الغمر بن يزيد الصائفة غير مرة ، فغنم ما لم يغنمه أحد قط ، وكانت اخر صوائفه في سنة ست وعشرين ومئة وعلى قصر خلافة الوليد فإن القرارات الثلاثة الإصلاحية التي ارتاها وطبقها، وبعض الفتوحات والغزوات المظفرة التي قادها أخوه الغمر تدل على تفكيره في مشاكل رعيته المالية والاجتماعية والزراعية ، تفكيراً جاداً خلص منه إلى وضع الحلول السريعة للمشاكل العاجلة ، وتدل على اجتهاده في بعض حركة الفتوح والجهاد وتقويتها ، وحماية ثغور الدولة وحدودها ، وتنفي عنه ما اتهمه به اليعقوبي من أنه كان مهملاً لأمره ، قليل العناية بأطرافه ، متشاغلاً عن أمور الناس.




يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC9(1).pdf
الجزء الثاني:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC139.pdf
كما يمكنكم الاطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022