الدروس والعبر المستفادة من الفتوحات في عهد هشام بن عبد الملك
من كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار (ج2):
الحلقة: 226
بقلم: د. علي محمد الصلابي
شوال 1442 ه/ مايو 2021
1 ـ مشاركة النساء في القتال:
في سنة 123 هـ خرج عشرون ألفاً من الروم فنزلوا على المسلمين في ملطية ، فأغلق أهلها أبوابها ، وظهر النساء على السور عليهن العمائم يقاتلن ، وخرج رسولهم إلى هشام ابن عبد الملك بالرصافة مستغيثاً ، فندب هشام الناس إليها ، ثم بلغه الخبر بجلاء الروم عنها ، لكنه غزا بنفسه حتى نزلها وعسكر عليها حتى بنيت وحصنت.
2 ـ رغبة القادة والجند في الشهادة:
في عهد هشام استشهد جماعة من أبرز قواد المسلمين؛ مثل: الجراح بن عبد الله الحكمي عامله على أرمينية سنة 112 هـ ، واستشهد سور بن الحر التميمي في خراسان في نفس السنة ، وعقبة بن سحيم الكلبي في جنوب خراسان سنة 107 هـ ، ثم عبد الرحمن الغافقي في الجبهة نفسها في تور بواتيته سنة 114 هـ ، مما يدل على امتداد ساحات القتال والفداء التي يغشاها القادة بأنفسهم مع أجنادهم ، وكلما قتل واحد منهم قام اخر ليواصل الطريق.. وكان هشام في كل ذلك يشفق على جنده ، ويتلقى أنباء استشهاد قادته فينخلع قلبه خشية أن يكون أحدهم قد انحاز عن العدو فخسر الجنة؛ فلما استشهد الجراح بن عبد الله دعا هشام سعيد بن عمرو الحرشي أحد كبار قادته فقال له: بلغني أن الجراح قد انحاز عن المشركين ، فقال سعيد واثقاً: كلا يا أمير المؤمنين ، الجراح أعرف بالله من أن ينحاز عن العدو؛ لكنه قتل.
وكما أعطى القادة هذه الأمثلة كان الجند لا يقلون حماسة وحمية ورغبة في الشهادة ، فقد دخل أحدهم ويدعى أبو ضمرة النضر بن راشد العبدي على امرأته والناس يقتتلون في إحدى المعارك ـ في بلاد ما وراء النهر ـ ، فقال لها: كيف أنت إذا أُتيت بأبي ضمرة مضرجاً بالدماء ؟ فشقت جيبها ودعت بالويل ، فقال: حسبك ، لو أعولت علي كل أنثى لعصيتها شوقاً إلى الحور العين ، ورجع فقاتل حتى استشهد رحمه الله.
3 ـ الشورى عند هشام في إدارته العسكرية:
أخذ هشام بن عبد الملك بمبدأ الشورى في إدارته العسكرية ، فعندما علم باستشهاد قائده الجراح بن عبد الله الحكمي ومن معه من قبل الخزر ، جعل الخليفة هشام يستشير وزراءه وخاصته فيما نزل بالقائد الجراح وأصحابه ، وأدخل عليه كل من ببابه من أجل مشورتهم وطلب رأيهم؛ حيث سمع منهم ما قالوا وأشاروا به في هذا المصاب في تعيين من يخلفه في القيادة ضد الخزر.
والتزم الخليفة هشام بالشورى في إدارته لشؤون الدولة وبخاصة تعيين الولاة والقادة ،وسار قادته على منواله بالالتزام بمبدأ الشورى في مرحلة الإعداد والإقرار وتنفيذ الخطط في إدارتهم للمعارك الحربية. فكان صاحب رأي خراسان في الحرب المجشر بن مزاحم السلمي ، حيث ينزل الناس على راياتهم ويضع المسالح ليس لأحد مثل رأيه في ذلك ، كما كان عبد الرحمن بن صبح الخرقي إذا نزل الأمر العظيم في الحرب لم يكن لأحد مثل رأيه ، وكان عبيد الله بن حبيب الهجري صاحب الشورى على التعبئة في القتال ، ولم يقتصر الأمر على هؤلاء في الرأي والمشورة ، بل كان هنالك من الموالي مثلهم في الرأي والمشورة والعلم بالحرب ، وكان القادة يستعينون بهم في الإدارة العسكرية.
4 ـ العيون في عهد هشام بن عبد الملك:
لما تولى هشام بن عبد الملك الخلافة ازدادت العناية في إدارته العسكرية بأمر العيون والأخبار ، سواء في محاربة الأعداء والخارجين على الدولة ، أو في الرقابة الإدارية على الولاة والعمال والقادة ، وقد اهتم هشام بالبريد وطرقه ، فبالإضافة إلى كونه حلقة اتصال بين القيادة العليا المركزية وبين قادة الثغور لنقل الأخبار؛ استخدم كوسيلة من وسائل النقل للقادة والعسكر ، وبخاصة في حالة الإمداد العسكري لما يتميز به من السرعة واختصار الوقت.
فإنه لما استشهد القائد الجراح بن عبد الله الحكمي استدعى الخليفة هشام بن عبد الملك سعيد بن عمرو الحرشي وعينه للقيادة ، ثم سأله الرأي فأشار عليه الحرشي بقوله: تبعثني على أربعين دابة من دواب البريد ، ثم تبعث إليّ كل يوم أربعين دابة عليها أربعون رجلاً ، ثم اكتب إلى أمراء الأجناد يوافونني ، ففعل ذلك الخليفة هشام.
كما كان قادة هشام بن عبد الملك يضعون العيون على عسكرهم لمعرفة أحوالهم وأخبارهم ، فمن ذلك أن القائد الجنيد بن عبد الرحمن المري والي خراسان أثناء محاربته لخاقان ملك الترك؛ أحب أن يستطلع أخبار جنده ، فكلف أحد رجاله بأن يسير في المعسكر ليتعرف على روحهم المعنوية ، فقال له: امشِ في الصفوف والدراجة ، وتسمَّع ما يقول الناس وكيف حالهم.
5 ـ الاهتمام بالحدود البرية:
سلك هشام نهج من سبقه من خلفاء بني أمية في إدارته العسكرية بالعناية بأمر الثغور وحماية الحدود الإسلامية من هجمات العدو بإنشاء التحصينات اللازمة ، والتي كان منها بثغر المصيصة حصن الربض ، وحصن المثقب على ساحل البحر قرب ثغر المصيصة ، وحصن قطرغاش، واهتم بغيرها من الحصون ، وكانت هذه الحصون مشحونة بالجند المرابطين ، وكان قادة الثغور على صلة بالخليفة هشام ، فيطلبون منه ما يريدون؛ فعلى سبيل المثال فحين ولي ثغر أرمينية مروان بن محمد كان يقدم على الخليفة هشام في كل سنتين مرة يرفع إليه أمر الثغر واحتياجاته ومصلحة من به من جنوده وما ينبغي أن يعمل من تحصينات لحمايته.. بالإضافة إلى ما بينهما من اتصال مستمر بواسطة البريد.
6 ـ الاهتمام بالحدود البحرية:
من التطورات التي حدثت في إدارة الخليفة هشام بن عبد الملك البحرية أنه أمر بتجديد القواعد البحرية بالساحل الشامي ، وبنقل دار صناعة السفن من عكا إلى صور ، ورمم القاعدة البحرية بها ، ومنها أصبح مخرج المراكب الحربية لغزو الروم وقام واليه على إفريقية عبيد الله بن الحبحاب بتطوير دار صناعة السفن بتونس ، فكان منها يخرج الأسطول الإسلامي للغزو والفتوحات هنالك.
واستمر في إدارة الخليفة هشام بن عبد الملك خروج الحملات البحرية للصائفة والشاتية؛ كدوريات لحفظ السواحل البحرية والحملات البحرية وحمايتها ، وللغزو وشن الهجمات البحرية على سواحل العدو ، وولي قيادة هذه الحملات كبار القادة ، كمعاوية بن هشام بن عبد الملك ، وعبد الرحمن بن معاوية بن خديج ، وعبد الله بن أبي مريم ، وعبد الله بن عقبة بن نافع الفهري ، وغيرهم من القادة الذين فاقوا بمهارتهم البحرية مهارة أمراء الروم ، وتمكنوا من التغلب عليهم
7 ـ الأثر الحضاري للفتوحات في عهد هشام:
كان قادة الخليفة في فتوحاتهم يتخيَّرون رسلهم من أهل العلم والورع والفضل لدعوة أهل الكفر إلى الإسلام ، هذا مع استعانتهم بالمترجمين الحاذقين بلغة العدو ، وكان الجند يواظبون على تلاوة القران الكريم ويتناشدون الأشعار فيما بينهم أثناء تواجدهم في جبهة القتال ، فكان ذلك يؤثر في حركتهم ونشاطهم ، ويزيد من حماستهم وتضحياتهم.
وكان الشعراء يتحدثون عن البطولات والانتصارات في قصائد؛ كالتي قالها ثابت بن قطنة في انتصار المسلمين على الترك في إحدى القصور القريبة من سمرقند ، وكان قائد المسلمين المسيب بن بشر الرياحي ، وكان الشاعر من ضمن الأبطال المقاتلين؛ فقال:
فدتْ نفسي فوارسَ من تميمٍ غداةَ الرَّوعِ في ضَنْكِ المقامِ
فدتْ نفسي فوارسَ أكنفوني على الأعداءِ في رهجِ القتامِ
بقصرِ الباهليِّ وقد رأَوْني أُحامِي حيث ضَنَّ بي المحامي
بسيفي بعد حطمِ الرمحِ قُدْماً أذودُهُم بذي شُطَبٍ حسامِ
أكرُّ عليهم اليحمومَ كرّاً ككرِّ الشربِ انيةَ المُدامِ
أكرُّ به لدى الغمراتِ حتى ضربي قونس الملكِ الهمامِ
إذا لسعتْ نساءُ بني دثارٍ أمامَ التركِ بادية الخِدامِ
فمَنْ مثلُ المسيبِ في تميمٍ أبي بشرٍ كقادمةِ الحمامِ
ومن الخدمات الاجتماعية والاقتصادية التي عملت في عهد هشام بن عبد الملك: قيام واليه على الموصل بحفر النهر المكشوف الذي يمرّ وسط الموصل ، وشرب أهله منه ، وكان السبب في ذلك أن الوالي كان جالساً في داره المعروفة بالمنقوشة التي كانت قصر الإمارة ينظر في مناظر له ، فرأى امرأة على عاتقها جرة وقد جاءت من دجلة وهي تحملها ساعة وتضعها ساعة أخرى تستريح، فسأل عنها فقيل: امرأة حامل جاءت بماء من بعد وقد أجهدها حمله ، فاستعظم ذلك ، فكتب إلى الخليفة هشام بن عبد الملك يخبره الخبر وببعد الماء على أهل البلد ، فكتب إليه يأمره أن يحفر نهراً في وسط المدينة لتقديم وتوفير الخدمات لهم ، فابتدأ بحفره ، واستغرق حفره وقتـاً طويلاً وأنفق عليـه أموالاً طائلة ، وبعد الانتهاء من حفره أمر الخليفة هشام أن تبنى أرجاء على ضفافه ، ثم أوقف هذه الأرجاء ومستقلاتها على نفقة هذا النهر وما يحدث فيه من تعمير وإصلاح في المستقبل.
كذلك قام والي مصر من قبل الخليفة هشام بن عبد الملك باستقدام حي من قيس من البادية مئة أهل بيت من بني نصر ، ومئة أهل بيت من بني عامر ، ومئة أهل بيت من أفناء هوازن ، ومئة أهل بيت من بني سليم ، فأوطنهم بتنيس ، وأمرهم بالاستزراع ، وصرف لهم صدقة العشور كإعانة لهم.
ومن الاثار الحضارية للاثار الاقتصادية والاجتماعية في إدارة الخليفة هشام بن عبد الملك العسكرية قيام واليه على العراق ببناء الأسواق لأهل الكوفة ، وجعل لأهل كل بياعة داراً وطاقاً ، وجعل غلالها للجند ، وكان ينزلها عشرة الاف مقاتل.
يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC9(1).pdf
الجزء الثاني:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC139.pdf
كما يمكنكم الاطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com