الأحد

1446-10-29

|

2025-4-27

 ثورة البربر في الشمال الإفريقي


من كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار (ج2):

الحلقة: 223
بقلم: د. علي محمد الصلابي
شوال 1442 ه/ مايو 2021

تكرر الظلم والتعسف أيام إمارة عبيد الله بن الحبحاب والذي تولى إمارة إفريقية 116 هـ، واشتد استياء البربر المسلمين من هذه الأفعال القبيحة، ورأوا التناقض الصارخ بين تعاليم الإسلام وبين سلوك هؤلاء العمال، وأصبحت عندهم قابلية للتمرد في الوقت الذي فشت فيه النزعة الخارجية في إفريقية والمغرب، ونادى أصحابها بشعارات خارجية، ظاهرها فيه بعض الحق، وباطنها ينطوي على شر عظيم، كالمساواة بين المسلمين ووجوب الخروج على الحكام الظلمة وغيرها، فصادف ذلك هوى في نفوس البربر، وتحمس كثير منهم لما نادى به دعاة الخوارج، إلا أنهم لم يعلنوا التمرد والعصيان إلا بعد أن يئسوا من إمكانية تبليغ صوتهم بالشكوى إلى الخليفة، ذلك ما ذكره الطبري؛ حيث قال: فما زال بربر إفريقية من أسمع أهل البلدان وأطوعهم إلى زمن هشام بن عبد الملك.. فلما دب إليهم دعاة العراق واستشاروهم شقوا عصاهم وفرقوا بينهم إلى اليوم. وكان من سبب تفريقهم أنهم ردوا على أهل الأهواء فقالوا: إنا لا نخالف الأئمة، بما تجبي العمال، ولا نحمل ذلك عليهم. فقالوا لهم: إنما يعمل هؤلاء بأمر أولئك، فقالوا لهم: لا نقبل ذلك حتى نبورهم ـ أي نختبرهم ـ.
فخرج مسيرة المظفري زعيم الصفرية في بضعة عشر إنساناً حتى قدم على هشام، فطلبوا الإذن فصعب عليهم، فأتوا الأبرش وزير هشام بن عبد الملك فقالوا: أبلغ أمير المؤمنين أن أميرنا يغزو بنا وبجنده، فإذا أصاب نفلهم دوننا. وقال: تقدموا، وآخّر جنده، فقلنا: تقدموا، فإنه ازدياد في الأجر ومثلكم كفى إخوانه... ثم إنهم عمدوا إلى ماشيتنا فجعلوا يبقرونها على السخال يطلبون الفراء الأبيض لأمير المؤمنين، فاحتملنا ذلك، ثم إنهم ساومونا أن يأخذوا كل جميلة من بناتنا، فقلنا: لم نجد هذا في كتاب ولا سنة ونحن مسلمون، فأحببنا أن نعلم عن رأي أمير المؤمنين ذلك أم لا؟ قال: نفعل.
فلما طال عليهم ونفذت نفقاتهم... كان وجههم إلى إفريقية، فخرجوا على والي هشام فقتلوه واستولوا على إفريقية. وهكذا اندلعت بإفريقية والمغرب ثورات لا نهاية لها، ابتدأت سنة 122 هـ، وهي أول ثورة في إفريقية في الإسلام، وتضافرت جهود الإباضية والصفرية للإطاحة بحكومة القيروان، وأصبح همّ الخليفة في المشرق القضاء على هذه الثورات، فكان يرسل الجيش تلو الآخر، وقد ذكروا أن هذه الحروب منذ أن استعرت إلى أن تم القضاء عليها عام 156 هـ بلغت 375 موقعة ذهب ضحيتها آلاف القتلى، وقد شارك العلماء مقاتلين وواعظين، فقد استنجد حنظلة بن صفوان بمن تبقى من بعثة عمر بن عبد العزيز لما ثارت عليه الخوارج، وقد دامت هذه الحروب أكثر من ثلاثين سنة تمكن الخوارج من خلالها من الاستيلاء على القيروان مرتين، حيث استولى عليها الصفرية سنة 140 هـ لمدة سنة وشهرين، وقد ربطوا دوابهم في المسجد الجامع، وقتلوا كل من كان فيها من قريش، وعذبوا أهلها... ثم وليها بعدهم الإباضية لمدة سنتين.
هذا ولما بلغت أخبار الخوارج في إفريقية هشام بن عبد الملك ولى عليها كلثوم بن عياض القشيري في جمادى الآخرة سنة 123 هـ، وأرسله إليها في جيش قوامه اثنا عشر ألفاً، وخرج معه أهل مصر وأهل برقة، وأهل طرابلس، وزحف إلى الشمال الإفريقي متوغلاً سنة 123 هـ، فلقيه ميسرة من رؤساء الخوارج الصفرية ـ بقرب طنجة ـ في جموع من البربر كثيرة، واستماتوا في قتاله، حتى قتلوه وهزموا جيشه.
وقويت شوكة الخوارج واقتطعوا المغرب عن طاعة الخلفاء في المشرق، واستمرت المعارك بين الدولة الأموية في عهد هشام وخوارج الشمال الإفريقي، وكان من أشهر ولاة الأمويين في تلك المرحلة كلثوم بن عياض وحنظلة بن صفوان الذي تولى ولاية إفريقية والمغرب سنة 124 هـ، وشرع في الاستعداد للدفاع عن القيروان، واشتبك في قتال مع الخوارج الصفرية الذين كانوا يستحلون أموال أهل السنة، ويستحييون نساءهم، وقتلهم في معركة القرن في عام 124 هـ، وقيل: قتل فيها ما يزيد عن مئة وسبعين ألفاً، وهذا رقم مبالغ فيه. وكانت حرباً في أبشع صور الحروب القاسية، فهبت ريح النصر على أتباع الدولة الأموية، وهزم الخوارج، وقتل عبد الواحد بن يزيد من برابرة هوارة وجيء برأسه وبعكاشة أسيراً.
وسمع الليث بن سعد الفقيه المصري بخبر هذه المعركة فقال: ما غزوة كنت أحب أن أشهدها بعد غزوة بدر أحب إليَّ من غزوة القرن، ووصل خبر هذه المعركة إلى هشام مطلع 125 هـ، وكان هشام مريضاً.
هذا وقد قامت ثورات متعددة للخوارج في عهد هشام، وقام الحارث بن سريج بثورة في بلاد خراسان ولكنها لم تنجح في الوصول إلى أهدافها، وقام الصغد في بلاد ما وراء النهر بثورة، وقامت بمصر حركات وانتفاضات صغيرة محدودة الأثر بسبب المعاملة السيئة لبعض الولاة، ومن أراد التوسع في هذه الثورات والحركات فليراجع عصر هشام بن عبد الملك، وكل تلك الثورات بسبب انحراف هشام بن عبد الملك عن منهج عمر بن عبد العزيز الذي لزم العدل وأمر به عماله، فلو سار هشام وغيره على هذا المنهج لوفر على الأمة خسائر هائلة في الأموال والأرواح.



يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC9(1).pdf
الجزء الثاني:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC139.pdf
كما يمكنكم الاطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com 


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022