أسباب خروج زيد بن علي
من كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار (ج2):
الحلقة: 219
بقلم: د. علي محمد الصلابي
رمضان 1442 ه/ أبريل 2021
كان زيد رحمه الله لا يقبل الذل والهوان، صاحب شخصية فذة، مما جعلته شامخاً كالطود، فقد اتصف بالغيرة على الحق ومحبة العدل ومحاربة الظلم، وقد ساهمت أسباب عديدة في خروجه على هشام؛ ومن هذه:
1 ـ تأثره بما حدث لأهل بيته من تقتيل وتشريد، وقتل جده الحسين بن علي رضي الله عنه، وتعرضه هو بالذات إلى الإهانات من ولاة هشام بن عبد الملك ومن هشام نفسه.
2 ـ تغير الحكم من الشورى إلى حكم الملك العضوض مع مجيء الأمويين، وما حدث من سفك دماء من الأمويين، واستخدام العنف والقوة على الثورات الخارجة عليهم.
3 ـ شعوره بالمظالم الواقعة على الناس، وللمنكرات التي تفشت في زمانه جعله يخرج آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، رافعاً للظلم عن الناس وخاصة الموالي الذين كانت الجزية تبقى مفروضة عليهم حتى بعد إسلامهم. وقد صرّح بظلم هشام له عندما راجعه محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، فقال: خرج بنا هشام أسراء على غير ذنب من الحجاز إلى الشام ثم إلى الجزيرة ثم إلى العراق ثم إلى رئيس ثقيف يلعب بنا وأنشد:
بكرت تخوفني الحتوف كأنني
فأجبتُها إنَّ المنيةَ منزلٌ
فاثني حبالَك لا أبا لك واعلمي
أصبحتُ في عرضِ الحياةِ بمعزلِ
لابد أن أُسقى بكأسِ المنهلِ
أني امرؤ سأموتُ إن لم أقتلِ
أستودعك الله، أني أعطي الله عهداً إن دخلت يدي في طاعة هؤلاء ما عشت.
4 ـ البيئة المناسبة للثورة بالكوفة، وفيها أتباع أهل البيت المؤيدون لأحقية أهل البيت بالخلافة الكارهون لحكم بني أمية.
هذه أهم الأسباب العامة التي حملت زيداً على الخروج على الحكم الأموي، أما الأسباب المباشرة التي ذكرها
المؤرخون لخروج زيد على هشام؛ فهي تتمثل في عدة مواقف حدثت بينهما، وانتهى كل منها بما أثر عن زيد من أقوال وأشعار يعتزم فيها الخروج على هشام، وكانت حوادث تعمق في نفسية زيد شعوراً حاداً بالثورة نتيجة لما يتعرض له في كل منها من الظلم وسوء المعاملة:
1 ـ عدم قيام هشام بن عبد الملك بمعرفة حق زيد وتحمل ديونه وقضاء حوائجه، وبدلاً من ذلك أغلظ له القول وأساء معاملته، فقد روى ابن عساكر عن عبد الله بن جعفر: قال لي سالم مولى هشام: دخل زيد على هشام فرفع ديناً كثيراً وحوائج، فلم يقض له هشام حاجة، وتجهمه وأسمعه كلاماً شديداً، فخرج من عنده وهو يأخذ شاربه ويقبله، ويقول: ما أحب الحياة أحد إلا ذل، ثم مضى فكانت وجهته الكوفة.
2 ـ عدم استماع هشام لزيد في إحدى خصوماته وعدم إنصافه إياه، فقد روى ابن الأثير وغيره: أن زيداً كان يخاصم ابن عمه جعفر بن الحسن بن الحسين بن علي في ولاية وقوف علي، وكان زيد يخاصم عن بني الحسين وجعفر يخاصم عن بني الحسن، فكانا يتبالغان بين يدي الوالي إلى كل غاية، ويقومان فلا يعيدان مما بينهما حرفاً، فلما مات جعفر نازعه عبد الله بن الحسن بن الحسن فتنازعا يوماً بين يدي خالد بن عبد الملك بن الحارث، وأراد والي هشام على المدينة أن يوقع بينهما، وأراد عبد الله بن الحسن أن يتكلم، فقال زيد: لا تعجل يا أبا محمد، أعتق زيد ما يملك إن خاصمك إلى خالد أبداً، ثم أقبل على خالد فقال: جمعت ذرية رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمر ما كان يجمعهم عليه أبو بكر ولا عمر، فقال خالد: أما لهذا السفيه أحد... ثم ذهب زيد إلى هشام يشكو إليه مما فعله خالد، فجعل هشام لا يأذن له فيرفع القصص، فكلما رفع إليه قصة كتب هشام في أسفلها: ارجع إلى منزلك.
3 ـ اتهام هشام بن عبد الملك لزيد بالإعداد للخروج عليه، وتحقيقه معه في ذلك، وإغلاظه القول له في التحقيق، فقد قال له هشام ذات يوم: لقد بلغني يا زيد أنك تذكر الخلافة وتتمنّاها ولست هنالك وأنت ابن أمة، قال زيد: إن لك جواباً. قال: فتكلّم، قال: إنه ليس أحد أولى بالله ولا أرفع درجة عنده من نبيّ ابتعثه، وقد كان إسماعيل ابن أمة وأخوه ابن صريحة ـ أي حرة ـ فاختاره الله عليه، وأخرج منه خير البشر، وما على أحد من ذلك إذ كان جده رسول الله وأبوه علي بن أبي طالب ما كانت أمّه، قال له هشام: اخرج، قال: أخرج ثم لا أكون إلا بحيث تكره.. فخرج من عنده وسار إلى الكوفة.
يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC9(1).pdf
الجزء الثاني:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC139.pdf
كما يمكنكم الاطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com