الإثنين

1446-10-30

|

2025-4-28

( نفي تتلمذ زيد بن علي على واصل بن عطاء المعتزلي)

من كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار (ج2):

الحلقة: 217

بقلم: د. علي محمد الصلابي

رمضان 1442 ه/ أبريل 2021

يرى فريق من العلماء أن زيداً قد تتلمذ لواصل بن عطاء وأخذ عنه الاعتزال كابن خلدون والشهرستاني، ومحمد شاكر الكتبي وغيرهم، ولذا فإن مؤلفي طبقات المعتزلة يجعلون زيداً من الطبقة الثالثة، كما يرى المرتضى صاحب المنية والأمل، والقاضي عبد الجبار صاحب فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة.

والواقع أن الدراسة الفاحصة تكشف لنا عن بطلان دعوى تلمذة زيد لواصل بن عطاء، وفي سبيل إبراز هذه الحقيقة نقدم الأدلة التالية:

ـ ما قيل من إقامة زيد بالبصرة واختياره لها ليعلم أصول العقائد عن الفرق المختلفة، وهذا ما قاله الشيخ أبو زهرة رحمه الله، وذكر قريباً من هذا الدكتور علي سامي النشار، ولم يذكره واحد من المؤرخين القدماء سواء في ذلك الطبري وابن كثير، واليعقوبي والمسعودي والمقدسي وابن الأثير وغيرهم، وكل ما ذكره الطبري من إقامة زيد بالبصرة أنه أقام بها شهرين، وأما ابن العماد صاحب شذرات الذهب فذكر أن زيداً لم يمكث إلا شهراً واحداً، وأثناء إقامته بالكوفة، وهو يعد العدة ويجمع الرجال تأهباً للخروج على بني أمية. أي أنه ذهب إليها بعد أن جاوز الأربعين من عمره ليقوم بكل ما يتطلبه الخروج من جهد وعمل، وفي مثل هذه السن الناضجة وفي مثل هذه الظروف أيضاً لا يمكن أن يقال: إن زيداً تتلمذ فيها على واصل. وحتى مع القول بأنه التقى به هناك ـ وهو فرض لا ننفيه ـ ولكننا نمنع أن يكون زيد في نضجه العلمي، ومشاغله العملية حينذاك يتتلمذ على واصل ويأخذ عنه.

ـ ما قيل من ذهاب واصل بن عطاء إلى المدينة واجتماع آل البيت به ومنهم الإمام زيد، ووقوع الخلاف بينه وبين ابن أخيه جعفر الصادق، وهذه القصة ذكرها شيوخ المعتزلة؛ وهما: الحسين بن المرتضى في المنية والأمل، والقاضي عبد الجبار في فضل طبقات المعتزلة، ومن المعروف أن المعتزلة في سبيل نصرة مذهبهم وبيان أصالته في نظرهم يرتفعون بطبقاتهم الأولى ليس لآل البيت، بل إلى الصحابة رضي الله عنهم، فلا عجب أن يجعلوا زيداً من هذه الطبقات، فقد جعلوا غيره من أئمة أهل البيت كالصادق والباقر وزين العابدين وابائهم وأجدادهم كذلك، ونسبوا إليهم من الأقوال ما يظهر اعتزالهم، بينما كان هؤلاء الأئمة من علماء الحديث، وكانوا على عقيدة أهل السنة والجماعة.

وقد أثنى عليهم علماء أهل السنة وعلى رأسهم ابن تيمية، فلو كان هناك مغمز في عقيدتهم لذكره، والإمام زيد واحد من هؤلاء الأئمة الأعلام الذين استحقوا ثناء أهل السنة وتوثيقهم؛ يقول ابن تيمية: فليس من أئمة أهل البيت ـ مثل علي بن الحسين وأبي جعفر الباقر وابنه جعفر بن محمد ـ من كان ينكر الرؤية ولا يقول بخلق القرآن ولا ينكر القدر ولا يقول بالنص على علي ولا بعصمة الأئمة الاثني عشر، ولا يسب أبا بكر وعمر.

والمقولات الثابتة المتواترة عن هؤلاء معروفة موجودة، وكانت مما يعتمد عليه أهل السنة.

وبيَّن ابن تيمية أن أئمة أهل البيت كانوا على عقيدة أهل السنة، فيقول: إن الأئمة المشهورين كلهم يثبتون الصفات لله تعالى، ويقولون: إن القرآن كلام الله ليس بمخلوق، ويقولون: إن الله يُرى في الآخرة، وهذا هو مذهب الصحابة والتابعين لهم بإحسان من أهل البيت وغيرهم.

وقد نص علماء أهل السنة والجماعة على أن زيداً كان من أهل السنة؛ يقول ابن تيمية مبيناً أن زيداً كان من أهل السنة والجماعة، رغم أن الرافضة يفسقونه ويكفرونه؛ يقول: فليست ذرية فاطمة كلهم محرّمين على النار، بل منهم البرّ والفاجر، والرافضة تشهد على كثير منهم وهم أهل السنة منهم الموالون لأبي بكر وعمر كزيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وأمثاله من ذرية فاطمة رضي الله عنها، فإن الرافضة رفضوا زيد بن علي ومن ولاه، وشهدوا عليهم بالكفر والفسق.

ويقول عبـد الله بن محمد بن عبـد الوهاب: فأئمـة أهل البيت أمثال زيـن العابدين وابنه زيد بن علي وأشباههم رضي الله عنهم شهد لهم أهل العلم بالصدق والأمانة والديانة، وقد وثقه علماء الجرح والتعديل ولم يرموه بأي بدعة من بدع الاعتدال أو غيرها.

ـ قال أبو حاتم البستي عن زيد: كان من أفاضل أهل البيت وعبادهم.

ـ وقال عنه الذهبي: كان أحد العلماء الصلحاء، بدت منه هفوة فكانت سبباً لرفع درجته في الآخرة.

ـ وقال ابن حجر: ثقة من الرابعة، وهو الذي تنسب إليه الزيدية. وقد سأل شريف الشيخ صالح أحمد الخطيب الشيخ عبد العزيز بن باز ـ رحمه الله ـ عن زيد بن علي، فأجاب: إنه لم يسمع أحداً من علماء السلف لا يثني عليه، وإن الذين أصبحوا معتزلة هم أتباعه، أما هو فمن خيار التابعين.

ـ ثم إن الرواية التي أشارت إلى ذهاب واصل بن عطاء إلى المدينة واجتماعه بآل البيت ومنهم الإمام زيد، ووقوع الخلاف بسبب ذلك بينه وبين ابن أخيه جعفر الصادق، والتي ذكرها المرتضى في المنية والأمل؛ ليس لها سند تاريخي، وجاءت هذه الرواية بصيغة التضعيف؛ حيث قال: روي أن واصلاً، وكذلك نجد القاضي عبد الجبار يسوق هذه القصة بصيغة التضعيف.

ـ لقد كان زيد يرى أن جده علياً رضي الله عنه من أفاضل الصحابة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن منزلته من رسول الله صلى الله عليه وسلم كمنزلة هارون من موسى، ومن ثم فلا يعقل أن يتتلمذ زيد على واصل وهو يعلم أن واصلاً لم يكن يرى هذا الرأي في جده رضي الله عنه، فلم يسوِّ بينه وبين كثير من الصحابة في الفضل وقبول الشهادة، ولم يكن كذلك قاطعاً بصحة موقفه في حروبه مع الخارجين عليه، وإنما كان يجوز الخطأ على جده في تلك الحروب، وهو الإمام الذي بايعه الصحابة رضوان الله عليهم، ولم يكن ليقبل شهادته ولو على بقل، فكيف يقبل زيد أن يأخذ علمه من رجل مبتدع هذا شأنه.

وإن الخلاف على هذه القضية خلاف جوهري وفي نفس الوقت خلاف حساس يتصل بالإمام زيد في شخص جده، وليس خلافاً على أمر آخر، فلا يمكن أن يجتمع الرجلان على مذهب واحد ورابطة واحدة مع وقوع هذا الخلاف بينهما، ولا نظن أن زيداً كان يقبل أن يتتلمذ على واصل وأن يأخذ عنه رغم قوله الباطل في جده علي رضي الله عنه حتى يحتاج إلى إنكار أخيه الباقر عليه، كما يروي الشهرستاني من أن محمد الباقر أنكر على أخيه زيد أخذه العلم عن واصل، وهو يجوّز الخطأ على جده في قتاله للناكثين والقاسطين. وكيف نقبل القول بمعرفة الباقر بعلاقة علمية تتصل بأمور العقيدة قائمة بين زيد وواصل ثم نجده يثني عليه هذا الثناء العاطر ويشهد له تلك الشهادة الكبيرة، في قوله لجابر الجعفي، عندما سأله عن أخيه زيد: سألتني عن رجل مُلئ إيماناً وعلماً من أطراف شعره إلى قدمه، وهو سيد أهل بيته.

يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار

من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:

الجزء الأول:

http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC9(1).pdf

الجزء الثاني:

http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC139.pdf

كما يمكنكم الاطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:

http://alsallabi.com


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022