تأملات في الآية الكريمة
﴿وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ﴾:
الحلقة: 61
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
- ﴿وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ﴾: وشروه هنا معناها: باعوه لأنّ (شَرَى) تستعمل بمعنى البيع، وبمعنى الشراء، وعندما تكون بمعنى البيع يكون التعبير بلفظ الشراء، فتكون دلالة على الزهد فيه وتركه.(1) فالقافلة هي الّتي باعته، وما قيل في التوراة ونقله بعض المفسرين أن الّذي باع يوسف هم إخوته، فهذا أولاً مما لا ينسجم مع النص واستبشار الوارد بلقيا الغلام، ثمّ إنّ إخوة يوسف حين خطّطوا قالوا: ﴿يلتقطه﴾، ولم يكن وارداً بيعه. ثمّ ثالثاً: إنْ كانوا يريدون بيعه، فلماذا يلقونه في الجبّ.(2) إنّ كثيراً من الأقوال تتقبلها كتب التفاسير اعتماداً على روايات واهية وضعيفة ولا وزن لها في الميزان العلمي الرصين.
﴿بِثَمَنٍ بَخْسٍ﴾ أيّ: بثمن مبخوس غير مرغوب فيه.(3) والثمن البخس: القليل كما في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَبْخَسُوا النّاس أَشْيَاءَهُمْ﴾ [الأعراف: 85] أي: لا تنقصوا.(4) فهم باعوه بثمن يسير تافه.(5)
قال ابن كثير: وقيل: المراد بقوله: بخس، الحرام. وقيل: الظلم، هذا وإن كان كذلك لكن ليس هو المراد هنا، لأنّ هذا معلوم يعرفه كلّ أحد أنّ ثمنه حرام على كلّ حال وعلى كلّ أحد لأنّه نبي ابن نبي ابن نبي ابن خليل الرحمن فهو الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم، وإنّما المراد هنا بالبخس الناقص أو الزيوف أو كلاهما. (6)
- ﴿دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ﴾: ثمّ ذكر القرآن هذا الثمن البخس أنّه دراهم معدودة قليلة.(7) بحيث تعد عدّاً، ولا توزن وزناً، فقد كان هناك في عصر يوسف عليه السلام (نقود) معدودة، ودراهم موزونة، وقد كانوا إذا كانت الدراهم قليلة عدوها عداً، ولا يزنوها وزناً إلّا إذا بلغت من الكثرة حداً معيّناً.(8)
- ﴿وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ﴾: إنّ الّذي أخرجوه من البئر وأسرّوه بضاعة هم الّذين باعوه بثمن بخس لأنهم لا يجهلون قيمته، ولّما لم يكن من بضاعتهم فعلاً، أرادوا التخلص منه فباعوه بثمن بخس، ناقص لا يساوي فيمته، والسارق والكاذب يحاول دائماً التخلص مما معه خشية أن ينكشف حاله.(9) فزهدهم فيه لأنهم التقطوه، والملتقط للشيء متهاون به لا يبالي بما باعه لأننه لم يدفع فلساً واحداً، قال الشاعر:
ومنْ أَخَذَ البِلَاْدَ بِغَيْرِ حَرْبٍ يَهُوْنُ عَلَيْه تَسْلِيمَ البِلَاْدِ
وحيث أنّهم لم يدفعوا فيه شيئاً بل إنّهم قد وجدوه مصادفة، فقد كان همهم محصوراً في التخلص منه بأي ثمن قبل أن يحدث لهم ما لا تُحمد عقباه.(10) وربما أُصيبوا بالقلق والهم والغم من عند الله تعالى فعملوا على الخلاص منه، وفقدوا الحرص عليه والرغبة فيه، وسارعوا ببيعه، ليمضي قدر الله في يوسف، وينتقل لمرحلة جديدة، وظلت عين الله تعالى ترعى يوسف وتكلؤه في جميع تقلّباته ومراحل حياته، وقدّر سبحانه أنْ يشتري يوسف عليه السلام رجلٌ تفرس في وجهه الخير والنبل وكرم المَحْتد، كان هذا الرجل هو عزيز مصر، كما صرّحت الآيات بعد ذلك وألقى الله محبةَ يوسف في قلبه، والرغبة في شرائه، فاشتراه وأخذه إلى بيته معززاً مكرّماً وأوصى امرأته به.(11)
مراجع الحلقة الواحدة والستون:
1 زهرة التفاسير، (7/3813).
2 سورة يوسف، د. نوفل، ص 325.
3 زهرة التفاسير، (7/3813).
4 سورة يوسف، د, أحمد نوفل، ص 325.
5 سورة يوسف وقصته العجيبة، ص 118.
6 تفسير ابن كثير، (4/377).
7 سورة يوسف، د. أحمد نوفل، ص 325.
8 التفسير الاقتصادي للقرآن الكريم، رفيق المصري، دار القلم، الطبعة الأولى، 2013م، ص 133.
9 آيات للسائلين، ص 139.
10 يوسف وقصته العجيبة، ص 119.
11 التفسير الموضوعي، (4/149).
يمكنكم تحميل كتاب النبي الوزير يوسف الصديق عليه السلام
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي