تأملات في الآية الكريمة
﴿قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ﴾
الحلقة: 69
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
ربيع الأول 1445ه/ سبتمبر 2023م
في إظهار قول يوسف عليه السلام: (قال) عناية بإبراز ما تفوّه به في تلك اللحظة مقابل ما تفوهت به، ليتّضح الفرق بين لغة الشهوة والخيانة، ولغة العفة والوفاء، وذكر القولَ دون أيّ تصرف فعليّ كما في حالها هي، لأنّه السّلوك الأسرع في مثل هذه الحالات، ولأن التصرف الفعلي قد لا يكون محموداً إلّا بعد تؤدة وفي سبق كلمة التعوّذ: ﴿معاذ الله﴾ إلى لسانه دليل على عظم صلته بربه وقربه منه، وإلّا فإنه لا يوفّق لمثل هذا كلّ أحد، كما أنّ في ذلك إشارة إلى عظم هذا السوء في نظره.(1)
- ﴿مَعَاذَ اللَّهِ﴾ كلمة مصدر، وفعلها محذوف، أي: أعوذ بالله معاذاً. وتأمل كلمة معاذ الله، لتدرك قوة الداعي الّذي دعاه عليه السلام إلى ألّا يجد عاصماً ولا حامياً ولا ملجأ إلّا الله سبحانه، وهو في بيتها ولها عليه سلطان. وراجع كلمة معاذ الله، تجد يوسف عليه السلام رمى نفسه وحاله كلّه على باب الله، وكأنه يستغيث من ويل ألمّ به.(2) إن يوسف عليه السلام أجاب دعوة المرأة بالالتجاء إلى الله: ﴿معاذ الله﴾؛ أعوذ بالله تعالى معاذاً وألتجئ إليه التجاءً أن يحفظني من أن أستجيب لهذا المحذور، وهذا دعاء من يوسف عليه السلام دعا به ربّه أن يحفظه من هذا الذنب العظيم وفي هذا الدعاء إعلام بالإباء والترفع عن هذه المعصية الفظيعة بانصرافه التامّ عنها، فكلمة: ﴿معاذ الله﴾ أعطت مفهومين:
الأول: أنّه أبى إباء تاماً ولم يوافق.
الثاني: أنّه أقبل على الله تعالى بطلب العون منه، ويستعيذ به من ذلك الأمر الّذي تريده المرأة منه.(3) إنّ يوسف عليه السلام رأى أن الوقوع في الزنا شقاء ورأى في الزنى بعداً عن الله، ويجلب سخطه وغضبه، ورأى دناءة الزاني، فقال: ﴿معاذ الله﴾، ولو ملكَ النّاسُ رؤية كرؤية يوسف عليه السلام لأعرضوا عن الزّنى فما من تحرّك للإنسان، إلّا وراءه رؤية؛ فطوبى لمن كانت رؤيته مطابقة للحق.(4)
إنّ يوسف عليه السلام عاذ بمعاذ فانتصر، وعزّ من اعتزّ بالله وانتصر من استنصر بالله، فانتصرت البراءة والطهر على الرذيلة والدناءة والسفاهة.(5)
وفي قول يوسف عليه السلام: ﴿معاذ الله﴾: لفتٌ لنظرها إلى أنّ البيت، وإن خلا من الرقباء، فإنّ عليها رقيباً لا يغيب، وهو الله تعالى الّذي يجب أن تخافه وتخشى غضبه وعقابه، لأنّه هو العليم السميع البصير.(6)
مراجع الحلقة التاسعة والستون:
1 جماليات النظم القرآني، ص 32.
2 من حديث يوسف وموسى في الذكر الحكيم، ص 82.
3 يوسف عليه السلام وقصته العجيبة، ص 153.
4 تفسير النابلسي، (6/169).
5 التفسير الموضوعي، (4/154).
6 نظرات في التفسير، عبد الحميد كحيل، ص 338.
يمكنكم تحميل كتاب النبي الوزير يوسف الصديق عليه السلام
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي