ثورة أبو حمزة الخارجي في الحجاز (128 هـ):
من كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار (ج2):
الحلقة: 243
بقلم: د. علي محمد الصلابي
ذو القعدة 1442 ه/ يونيو 2021
في أواخر سنة 128 هـ/746 م التقى أبو حمزة الخارجي بعبد الله بن يحيى ، فقال له: يا رجل اسمع مني كلاماً حسناً ، وأراك تدعو إلى الحق ، فانطلق معي ، فإني رجل مطاع في قومي ، فخرج معه حتى أتى حضرموت وهناك بايعه أبو حمزة بالخلافة ، ودعا إلى خلاف مروان الثاني وال مروان ، وبينما الناس بعرفة سنة 129 هـ إذ طلعت عليهم أعلام وعمائم سود على رؤوس الرماح وهم سبعمئة ، ففزع الناس حين رأوهم ، وسألوهم عن حالهم ، فأخبروهم بخلاف على مروان وال مروان ، فراسلهم عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك وهو يومئذ على مكة والمدينة ، وطلب منهم الهدنة. فقالوا: نحن بحجنا أضن وعليه أشح ، فصالحهم على أنهم جميعاً امنون بعضهم من بعض حتى ينفر الناس النفر الأخير ، فوقفوا بعرفة على حدة ، ولما كان النفر الأول نفر عبد الواحد فيه وخلى مكة ، فدخلها أبو حمزة بغير قتال ، ثم مضى عبد الواحد حتى دخل المدينة فضرب على أهلها البعث ، وزادهم في العطاء عشرة ، واستعمل عليهم عبد العزيز بن عبد الله بن عمر بن عثمان.
فمضوا حتى إذا كانوا بقديد لقيتهم جنود أبي حمزة فأوقعت بهم ، وقتلت منهم مقتلة عظيمة ، وذلك لسبع بقين من صفر سنة 130 هـ ، ثم سار أبو حمزة حتى دخل المدينة من غير أن يلقى فيها حرباً ، ووقف أبو حمزة خطيباً مفوهاً في أهل المدينة ، فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه:
تعلمون يا أهل المدينة أنّا لم نخرج من ديارنا وأموالنا أشراً ولا بطراً ولا عبثاً ، ولا للدولة ملك نريد أن نخوض فيه، ولا لثأر قديم نيل منا ، ولكنا لما رأينا مصابيح الحق عطلت ، وعنف القائل بالحق ، وقتل القائم بالقسط ، ضاقت علينا الأرض بما رحبت ، وسمعنا داعياً يدعو إلى طاعة الرحمن وحكم القران ، فأجبنا داعي الله [الأحقاف: 32]. أقبلنا قبائل {وَمَنْ لاَ يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأَرْضِ} ، النفر منا على بعير واحد عليه زادهم وأنفسهم ، يتعاورون لحافاً واحداً ، قليلون مستضعفون في الأرض ، فقوَّانا وأيدنا بنصره ، فأصبحنا ـ والله ـ جميعاً بنعمته إخواناً ، فلقينا رجالكم بقديد ، فدعوناهم إلى طاعة الرحمن وحكم القران ، ودعونا إلى طاعة الشيطان وحكم ال مروان ، فشتان لعمر الله بين الرشد والغي ، ثم أقبلوا يهرعون يزفون قد ضرب الشيطان فيهم بجرانه ، وغلت بدمائه مراجلهم ، وصدق عليهم ظنّه ، وأقبل أنصار الله عز وجل عصائب وكتائب بكلِّ مهند ذي رونق ، فدارت رحانا واستدارت رحاهم بضرب يرتاب منه المبطلون.
وأنتم يا أهل المدينة إن تنصروا ال مروان ومروان يسحقكم الله عز وجل بعذاب من عنده أو بأيدينا ، ويشف صدور قوم مؤمنين. يا أهل المدينة أولكم خير أول ، واخركم شر اخر. يا أهل المدينة الناس منا ونحن منهم ، إلا مشركاً أو عابد وثن ، أو مشركاً من أهل الكتاب أو إماماً جائراً.
يا أهل المدينة من زعم أن الله عز وجل كلف نفساً فوق طاقتها أو سألها ما لم يؤتها فهو عدو لنا ولنا حرب. يا أهل المدينة!! أخبروني ثمانية أسهم فرضها الله عز وجل في كتابه على القوي والضعيف ، فجاء تاسع ليس له منها ولاية ولا سهم واحد ، فأخذها لنفسه مكابراً محارباً لربه.
يا أهل المدينة بلغني أنكم تنتقصون أصحابي ، قلتم: شباب أحداث ، وأعراب جفاة ، ويلكم أهل المدينة ، وهل كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا شباباً أحداثاً ، شباب ـ والله ـ مكتهلون في شبابهم ، غضية عن الشر أعينهم ، ثقيلة عن الباطل أقدامهم ، قد باعوا الله عز وجل أنفساً تموت بأنفس لا تموت ، قد خلطوا كلالهم بكلالهم ، وقيام ليلهم بصيامهم نهارهم ، منحنية أصلابهم على أجزاء القران ، كلما مروا باية شوق شهقوا شوقاً إلى الجنة ، فلما نظروا إلى السيوف قد انتضبت إلى والرماح قد شرعت وإلى السهام قد وجهت وأرعدت الكتيبة بصواعق الموت ، واستخفوا وعيد الكتيبة لوعيد الله عز وجل ، ولم يستخفوا وعيد الله لوعيد الكتيبة ، فطوبى لهم وحسن ماب ، فكم من عين في منقار طائر طالما فاضت في جوف الليل من خوف الله عز وجل ، وكم من يد زالت عن مفصلها طالما اعتمد بها صاحبها في سجوده لله ، وكم من خد عتيق وجبين رقيق فُلِقَ بعمد الحديد ، رحمة الله على تلك الأبدان ، وأدخل أرواحها الجنان، أقول قولي هذا وأستغفر الله من تقصيرنا ، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
خرج أبو حمزة من المدينة وخلف بعض أصحابه ، فسار حتى نزل الوادي ، وكان مروان قد انتخب من عسكره أربعة الاف ، واستعمل عليهم ابن عطية ، وأمره بالجد في السير وأعطى كل رجل منهم مئة دينار ، وفرساً عربية وبغلاً لثقله ، وأمره أن يمضي ليقاتلهم ، فإن ظفر بهم ، مضى حتى يبلغ اليمن ويقاتل عبد الله بن يحيى ومن معه ، فخرج حتى نز العلا ، وكان أبو حمزة حين خرج ودعا أهل المدينة للخروج إلى مروان لقتاله ، قال: يا أهل المدينة إنا خارجون إلى مروان؛ فإن نظفر نعدل في أحكامكم ، ونحملكم على سنة نبيكم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونقسم فيئكم بينكم ، وإن يكن ما تمنون ، فسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
سار أبو حمزة وأصحابه إلى مروان ، فتقابل في وادي القرى مع خيل الشام ، بقيادة ابن عطية السعدي ، فأوقعوا بهم ، فرجعوا منهزمين إلى المدينة ، فلقيهم أهل المدينة فقتلوهم ، وأقام ابن عطية في المدينة شهراً واستخلف عليها الوليد بن عروة ، ثم مضى إلى مكة وإلى اليمن ، واستخلف على مكة: ابن ماعز ، رجلاً من أهل الشام.
وقد قتل في هذه المعركة أبو حمزة الخارجي وسار ابن عطية متطلعاً إلى اليمن ، فتقابل هو وعبد الله بن يحيى وظل يمشي حتى دخل صنعاء ، وبعث برأس عبد الله بن يحيى ، إلى مروان. ثم كتب مروان إلى ابن عطية يأمره أن يغذَّ السير ، ويحج بالناس ، فخرج في نفر من أصحابه حتى نزل الجرف ، ففطن له بعض أهل القرية. فقالوا: منهزمين والله ، فشدّوا عليهم فقال: ويحكم ! عامل الحج ، والله كتب إليَّ أمير المؤمنين. ولكن الرجال الذين خرجوا عليهم لم يصدقوا دعواهم، وألحوا عليهم حتى قتلوهم جميعاً إلا رجلاً واحداً.
يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC9(1).pdf
الجزء الثاني:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC139.pdf
كما يمكنكم الاطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com