الخميس

1446-10-26

|

2025-4-24

فشل الأمويين في تكوين جيش نظامي مرتبط بالدولة وموالٍ لها

من كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار (ج2):

الحلقة: 278
بقلم: د. علي محمد الصلابي

٢٩ ذو الحجة 1442 ه/ ٨ أغسطس 2021

لم يحسن الخلفاء المتأخرون في الدولة الأموية في الموازنة بين القبائل الرئيسية في الدولة؛ فقد مال الخليفة الوليد بن يزيد في خلافته للقبائل القيسية ، وأظهر جهلاً واضحاً في علاقته مع القبائل اليمانية التي قام عليها كيان الجند الشامي ، فكان لموقف الوليد من خالد بن عبد الله القسري وهو أحد أشراف اليمانية الذي أساء معاملته وسلمه إلى يوسف بن عمر بن هبيرة والي العراق ، والذي عذبه حتى مات ، سبب كاف لأن تظهر القبائل اليمانية استياءها وهي أكثر جند الشام ، لأن مغزى هذا الإجراء إغراء قبائل قيس بقبائل اليمن ، وأصبحت الحكومة حزباً قيسياً ، وأصبحت قبائل اليمن مهيأة لأن تستخدم كأداة للتغيير وهي عماد القوة العسكرية ، وذلك بتغيير الحكومة ، خاصة وأن الوليد بن يزيد لم يلق التأييد الكامل من ال بيته لموقفه السيأى منهم مما سهل على القوى العسكرية إيجاد المرشح البديل ، فالتفت حول يزيد بن الوليد.
واستطاع يزيد تحقيق طموحه للوصول إلى الخلافة مستغلاً تذمر الفئة العسكرية الغاضبة على مكانتها وضياع امتيازاتها ، ومغرياً فئات أخرى بالمال. وكان لتورط الجيش بالثورة على الخلافة وتقرير سياستها وفق ما تمليه عليه المصلحة والعصبية القبلية أن فقدت الخلافة الأموية هيبتها وشرعيتها لدى مؤيديها من القبائل التي تمثل قوتها العسكرية ، وبالمقابل كان لفشل الخلافة في تحقيق التوازن بين القبائل نتيجة لصراع البيت الأموي على السلطة أن فقدت الأداة التي قامت عليها واعتدت بها في إقرار سياستها وبسط شرعيتها على أقاليم الدولة ، فكان أن أصبحت القبائل أداة بين الطامحين إلى السلطة ، ذلك أن القبائل التي اعتمدها الأمويون كقوة عسكرية لم تستطع إدراك الأهداف السياسية للحكم المركزي ، ولم تكن لها تقاليد سياسية تحدد علاقتها مع الحكومة ، فاقتصرت هذه العلاقة على المصالح القبلية الضيقة ، فإذا ما تعرضت هذه المصالح ، فليس لها وهي التي تملك الأداة العسكرية سوى أسلوب التغيير المسلح.
ونتيجة لتعارض المصالح القبلية التي احتوتها القوة العسكرية ودخولها في صراع على السلطة والامتيازات ، فقد جرت الخلافة لأن تكون طرفاً في هذا الصراع ، خاصة بعد انقسام البيت الأموي وتنازع أفراده في الوصول إلى السلطة ، فكان لميل الخليفة إلى إحدى كتل هذه القوى لتحقيق طموحه من خلالها أن تحول الخلفاء الأمويون من خلفاء تتجسد فيهم وحدة الأمة إلى رؤساء لتكتلات قبلية ، وأدى صراع القوة العسكرية على السلطة وانقسامها إلى كتلتين متنازعتين إلى حدوث فوضى سياسية وعسكرية في مركز الخلافة وزعزع كيانها ، فعجزت عن ملاحقة الأحداث في أقاليمها ، فكان ذلك إيذاناً بأفول الحكم الأموي ، وبهذا فقد الحكم الأموي مهابته وشرعيته بعد أن تفككت عرى الرابطة القبلية التي قام عليها ، ونتيجة للنظرة القبلية الضيقة لبعض خلفاء بني أمية المتأخرين ، لذا لم يستطع مروان بن محمد اخر خلفاء بني أمية ، وهو الذي يمتلك القوة الوحيدة القادرة على إعادة الأمور إلى نصابها ، أن يتجاوز هذه السياسة ، خاصة وأنه قد وصل إلى السلطة بمساندة القبائل القيسية التي بايعته.
وكان لاعتماد مروان على القبائل التي ثارت بعد مقتل الوليد لاسترجاع سلطتها وامتيازاتها أن خلق حالة من العصيان والتمرد في صفوف قبائل اليمن ، أرغمت مروان على الدخول في حروب متعددة معها ـ كما مرّ معنا ـ.
إن القارأى الكريم لا يحتاج إلى الكثير من التفكير ليتبين له مدى تأثير القوة العسكرية للأمويين في سقوط حكمهم ، فالقوة العسكرية التي قام على أكتافها الحكم وعلى موالاتها ، قد تفككت عراها وانحلت روابطها بعد أن أظهر الخلفاء سياسة قبلية ضيقة اختصت بفئة معينة.
وقد حاول مروان بن محمد إنشاء جيش نظامي خارج القوات القبلية ، وتأليف فرق نظامية تكون صلب الجيش ، وتحل محل فرق القبائل ، ويحل القواد المحترفون محل رؤساء القبائل ، إلا أن هذه المحاولة التي استهدفت الاستغناء عن النظام القبلي في بناء القوة العسكرية قد جاءت متأخرة ، وفي وقت اضطربت فيه الأوضاع في أقاليم الدولة كافة ، ولم يعد من الممكن تغيير شيء ، فقد أصابت العصبية كيان الجند الأموي وأدت إلى زعزعته وتخاذله ، حتى في أحلك الظروف ، وقد استغل العباسيون هذا الضعف للفتّ في عضد الحكم الأموي ، وتعطي وصية إبراهيم بن محمد العباسي لأبي مسلم الخراساني صورة صادقة للأوضاع القبلية بين العرب؛ فقد أوصاه بقوله: فانظر هذا الحي من اليمن فأكرمهم وحل بين أظهرهم ، فإن الله عز وجل لا يتم هذا الأمر إلا بهم ، وانظر هذا الحي من ربيعة فاتهمهم فإنهم العدو.
وهكذا فعل أبو مسلم في خراسان ، ومالت اليمانية إلى بني العباس بدافع العصبية ضد القيسية التي كانت بجانب مروان بن محمد ، وتجلت العصبية في معركة الزاب ، وكيف كانت ذات أثر كبير في هزيمة مروان بن محمد ، وبعد هزيمته تخلى عنه جنده ، وكان لا يمر بجند من أجناد الشام إلا انتهبوه.
وأدرك مروان نتيجة الاعتماد على القوة العسكرية للقبائل ، حيث قال: انفرجت عني قيس انفراج الرأس ما تبعني منهم أحد ، وذلك أنا وضعنا الأمر في غير موضعه.
لذا فإن عدم قدرة الخلافة على تكوين جيش نظامي دائم ومرتبط بالدولة وموال لها ومدافع عن شرعيتها ، كان من أهم نقاط الضعف في الخلافة ، بحيث جعل السلطة المركزية عرضة لأهواء وميول شيوخ القبائل ، والمتنفذين في أقاليم الدولة الواسعة ، فلما ضعف المقاتلة وضعف تماسكهم من جراء العصبية أو المطامع الشخصية ، وفقدت رابطة الهدف المشترك الذي يربطها بالحكم تخلت عنه وأدت إلى انهياره.
يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC9(1).pdf
الجزء الثاني:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC139.pdf
كما يمكنكم الاطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com 


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022