عوامل انهيار الدولة الأموية... انحلال الانضباك في الجيش الأموي
من كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار (ج2):
الحلقة: 280
بقلم: د. علي محمد الصلابي
محرم 1443 ه/ أغسطس 2021
انهار الضبط في الجيش الأموي وفي الدولة ، فلا الجنود ينفّذون أوامر القائد ، ولا الناس يخضعون للسلطة ، ولعل من أسباب انحلال الضبط وانهياره حرب الاستنزاف بين جيش الدولة وبين أعداء الدولة التي طالت كثيراً ، فأصبحت الحرب هي القاعدة والسلام هو الاستثناء ، وكلما طالت الحرب زاد التذمر وضعف الضبط ، ولعل من أسبابه الدعوة السّرية للعباسيين التي استمالت إلى جانبها كثيراً من الناس ، وأصبح معتنقو هذه الدعوة رَتلاً خامساً بين صفوف جيش الحكومة ومكاتبها وبين أفراد الشعب ، يثيرون الإشاعات ، ويثبِّطون العزائم ، وينشرون الفوضى والارتباك ، ومن مظاهره ما حدث من اقتتال بين جيش الدولة والخارجين عليها في الحجاز واليمن ، مما أدى إلى ارتباك مواسم الحج ارتباكاً شديداً ، وأما في خُراسان والمشرق الإسلامي ، فقد كانت سلطة الدولة في إجازة طويلة ، وكلّ هذا الانحلال أدى إلى تردّي معنويات جيش الدولة ، وإلى انهيار الضبط فيه.
وتجلى هذا الانحلال في الضبط ، ما ظهر في معركة الزّاب الحاسمة ، فما أصدر مروان أمراً إلى قوّاته المحاربة إلا ولم ينُفّذ أمره باستهتار عجيب ، وبلغ العصيان حدّاً في تلك المعركة الحاسمة لم يبلغه في معركة أخرى ، فالقبائل رفضت تنفيذ أوامر مروان دون استثناء ، حتى الرجل الذي كان على شرطته ، عصى أوامره عصيانا فاضحاً ، والمفروض أنّ مثل هذا الرجل من أقرب المقربين إلى الخليفة ، ومن أخلص المخلصين له ، ولكنه اثر العافية على الخطر ، كأنه كان واثقاً بأن الهزيمة النكراء ستحل بمروان وشيكاً ، والجيش الذي يصاب بانحلال الضبط وانهيار المعنويات لا ينتصر أبداً ، والدولة التي تفقد هيبتها لا يمكن أن تبقى أبداً.
تجاوز الاحتياط:
حشد مروان بن محمد جيشه في الزاب لخوض معركته الحاسمة ، وكان من حقِّه وواجبه أن يحشد كلّ القادرين على حمل السلاح من أنصاره لخوض تلك المعركة الحاسمة ، ولكنه كان عليه أن يفكر في معارك أخرى ، يقاوم بها بالعمق أنصار العباسيين ، فإذا انهزم في معركة الزّاب ، فينبغي أن يخوض معارك أخرى في حلب ودمشق وفلسطين وفي مصر ، ويفكر بإعداد قوّات احتياطية ، تدافع عن الدولة في معارك متعاقبة ، وألاّ ينتهي في معركة واحدة كما حدث ، ثم يصبح بعد هزيمته شريداً طريداً ، ليست لديه قوات احتياطية تدافع عنه وعن الدولة كما ينبغي ، والظاهر أنّ مروان لم يفكر بإعداد قوّات احتياطية ، تقاتل في حالة هزيمته في لقائه الأول والأخير ، ولهذا كانت معركة الزاب هي معركته الأولى والأخيرة ، ثم انتهى أمره وأمر الدولة بعد الهزيمة ، وأصبح همّه الحفاظ على حياته كأيّ إنسان ، يهرب من بلد إلى اخر ، وقوّات العباسيين تطارده إلى أن استطاعت قتله في الصعيد من أرض مصر ، فانتهى خليفة ، وانتهت دولة الأمويين. إنّ إهمال إعداد قوات احتياطية خطأ فاحش لا يُغتفر لمروان ، دفع ثمنه حياته ومصير دولته.
يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC9(1).pdf
الجزء الثاني:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC139.pdf
كما يمكنكم الاطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com