الخميس

1446-10-26

|

2025-4-24

(النزاع الداخلي بين الأسرة الحاكمة)

من كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار (ج2):

الحلقة: 277
بقلم: د. علي محمد الصلابي

ذو الحجة 1442 ه/ أغسطس 2021

إن سنة الله تعالى ماضية في الشعوب والأمم لا تتبدل ولا تتغير ولا تجامل ، وجعل الله سبحانه وتعالى من أسباب هلاك الأمم وزوال الدول الاختلاف ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا» وفي رواية: «فأُهلكوا». وعند ابن حبان عن ابن مسعود رضي الله عنه: «فإنما أهلك من كان قبلكم الاختلاف».
إن من الدروس المهمة في هذه الدراسة التاريخية أن نتوقى الهلاك بتوقي أسباب الاختلاف المذموم ، لأن الاختلاف كان سبباً من الأسباب في ضياع الدولة الأموية وهلاكها واندثارها ، وكان لهذا الاختلاف الذي وقع في البيت الأموي أسبابه؛ منها: ضعف الوازع الديني عند بعض أمراء الأمويين ، والأنانية وحب الذات ، والتكالب على المصالح الدنيوية ، والتناحر من أجلها والحرص على السلطان والجاه والمناصب ، وتحكيم بعض الخلفاء أهواءهم في الأمور؛ فهذه الأسباب كانت وقوداً للمنازعات والخلافات التي وقعت بين أفراد البيت الأموي ، فكانت من أكبر معاول الهدم وأسباب الضعف وتلاشي الدولة ، وقد استقرأ هذه الحقيقة ابن خلدون؛ حيث ذكر أن من اثار الهرم في الدولة انقسامها ، وأن التنازع بين القرابة يقلص نطاقها كما يؤدي إلى قسمتها ثم اضمحلاله.
لقد بدأ الخلاف المؤثر في الأسرة الأموية مع تولي الوليد بن يزيد الخلافة ، وخرجت بذلك من أبناء عبد الملك إلى أحفاده ، فكان ذلك مما أثار الحسد بين أحفاد عبد الملك ، وكان أكثرهم نحساً أبناء الوليد بن عبد الملك، فكان للوليد بن عبد الملك تسعة عشر ولداً ذكراً ، وكان عمر بن الوليد يركب ويركب معه سبعون رجلاً لصلبه ، ولذلك كان ال الوليد يكاثرون بعددهم بني مروان ، وكانوا يدلون بأبيهم أكبر أولاد عبد الملك ، فلما قام الوليد بن يزيد بالخلافة ، استعان بإخوانه وببعض بني عبد الملك بن مروان وببعض بني مروان في أمور وولايات الدولة، ولم يستعمل أحداً من ال الوليد بن عبد الملك، وجفاهم واشتد عليهم وعلى بعض بني عمه ، ثم جعل الخلافة من بعده في ولديه الحكم وعثمان ، فقام ال الوليد بن عبد الملك بالعمل ضده ، وكان رأسهم في هذا الوجه يزيد بن الوليد بن عبد الملك ، ولما بلغ جمع يزيد عسكر الوليد دعوهم إلى الكتاب والسنة وجعل الأمر شورى ، وأخذوا يستميلونهم بالمال والولايات ، وضعف أمر الوليد وقتل ، وكان قيام يزيد بقتل ابن عمه الوليد وجلوسه مجلسه في الخلافة قد وضع سلطان بني أمية في قفص الاتهام ، ورفع عنه أستار المهابة ، ودفع به إلى السقوط وهو ما كان بنو مروان يخشونه ، فقد حذر العباس بن الوليد أخاه يزيد ، فقد كان مصيباً في تحذيره ، وقال له: أخاف أن يكون بعض من حسدنا هذه النعمة من عدونا أراد أن يغري بيننا ، وتمثل مرة قائلاً:
لا تلحمنّ ذئاب الناسِ أنفسَكم إن الذئابَ إذا ما ألحمت رتعوا
لا تبقرنَّ بأيديكم بطونَكُم فثمَّ لا حسرةُ تُغني ولا جزعُ
وصار لسان حالهم:
وساد الناقصُ القَدَري فينا وألقى الحربَ بين بني أبينا
وبعد أن كانت الخلافة تؤخذ بعهد من الخليفة القائم ، وبيعة الأمة ، أخذت هذه المرة بالقوة ، وتحركت في مروان بن محمد أمير الجزيرة وأرمينية وأذربيجان وقائد جيوش ثغورها أحاسيس الملك والسلطان ، وصار يرنو بنظره إلى دمشق.
إن مقتل الوليد بن يزيد كان نقطة البدء في تحدي فكرة الشرعية الأموية ، ومسماراً ضخماً في نعش الخلافة كمنصب له قدسيته وهيبته ، وقد تناولت هذه الفتنة الأسس المكينة التي اعتمد عليها الحكم الأموي بشكل عام ، إذ كان القائمون عليها من أهل الشام أولاً ، ومن الأمويين ثانياً ، وكلا العنصرين أساس في تثبيت السلطان الأموي.
إن هذا التمزق الداخلي هو أخطر ما أصاب بني أمية.. إن العصبية التي كانت تحفظ تماسك بني أمية ـ في وجه العصبيات الصغيرة والعواصف العامة ـ قد انشقت ، وفقدت قوتها الذاتية. وهكذا بدأت مسيرة الدم داخل البيت الأموي وفقدت الأمة إجلالها لهذا البيت المتاكل المتداعي ، وكان عهد مروان بن محمد عهد اضطراب داخلي.
لقد أقدم الأمويون على عمل خطير ، فهم قد انتحروا عندما تقاتلوا فيما بينهم وتبادلوا مواقع الموت.. وفي سبع سنوات كانوا قد أجهزوا على أنفسهم.. وقضوا على أسرتهم التي حملوا رايتها. ووافق هذا الخلاف والنزاع بين البيت الأموي تنظيم عباسي محكم يخطط للوصول إلى الحكم ، وينتظر الفرصة المناسبة لذلك ، حتى إذا ما حصلت استغل هذا الخلاف مما ساهم في الإطاحة ببني أمية.
يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC9(1).pdf
الجزء الثاني:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC139.pdf
كما يمكنكم الاطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com 


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022