الخميس

1446-10-26

|

2025-4-24

(الموالي في الدولة الأموية)

من كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار (ج2):

الحلقة: 275
بقلم: د. علي محمد الصلابي
ذو الحجة 1442 ه/ أغسطس 2021

إن القارأى للتاريخ الإسلامي سوف يلحظ أن الموالي كان لهم دورهم السياسي والعلمي في الدولة الأموية ، فقد قاموا بأعمال الفتوحات الواسعة كقادة الجيش ، كما قاموا بأعمال التنظيم الإداري كالقيام على أمر الدواوين وتعريبها ، ثم كعلماء بزوا العرب في ذلك ، ويمكن القول: إن الموالي كانوا على ثلاث طبقات:
1 ـ الطبقة الأولى:
موالٍ للعرب؛ إما أعتقوا أو عقدوا حلفاً مع بعض القبائل العربية ذات النفوذ السياسي ، ـ أي: تنتمي إلى قاعدة العصبية التي قامت عليها الدولة الأموية ، وهؤلاء كانوا رِدئاً للدولة في القيام بكثير من الأعمال ، ويحدثنا الجهشياري في كتابه الوزراء والكتاب: أن (سرجون بن منصور) الرومي كان يكتب لمعاوية على ديوان الخراج ، ويكتب لزياد مولاه مرداس ، وعلى الخراج زاذان فروخ ، وكان ذلك في أيام معاوية بن يزيد بن معاوية ، ويكتب على الديوان (سرجون بن منصور) النصراني ـ أي غير المسلم ـ ويكتب لعبد الملك على ديوان الرسائل (أبو الزعيزعة) مولاه ، وعلى ديوان الخاتم للوليد بن عبد الملك شعيب الصابي مولاه ، ويكتب له على المستغلات بدمشق يفيع بن ذؤيب مولاه ، وكان كبار الفاتحين المسلمين (طارق بن زياد) مولى من البربر ، وكان عامة جيشه الذي فتح الأندلس من الموالي.
ومن الموالي الذين وصلوا الإمارة: موسى بن نصير ، وكان والده من سبي عين التمر ، وولي أبو المهاجر دينار مولى الأنصار إفريقية 47 هـ ، وتولى يزيد بن أبي مسلم كاتب الحجاج ولاية إفريقية أيضاً ، وكان من الموالي ، ولما قتل ولوا محمد بن يزيد مولى الأنصار سنة 102 هـ وغيرهم ، ولم يكن الموالي مجرد وظفين ، ولكن كان لهم دور سياسي كبير في توجيه الأمور ، ولا تكاد تخلو صفحة من صفحات كتب التاريخ من وجود دور للموالي في الأعمال السياسية أو القتالية أو الإدارية ، وبالتالي فإن هؤلاء الموالي كانوا جزءاً حقيقياً من الطبقة الحاكمة بلا فرق بينهم وبين مواليهم ، فكل طبقة حاكمة تنحو منحى عصبوياً ، فإنها تكون بحاجة إلى توسيع قاعدة عصبيتها ليقوموا على الأعمال الهائلة والممتدة المنوطة بالدولة ، وكان الموالي هم الطبقة التي اصطنعتها الدولة الأموية لتواجه المهام التي ينبغي للدولة أن تؤديها ، خاصة وأن الموالي كانت لديهم قدرة كبيرة في الأعمال الإدارية والسياسية ، والقتالية ، لكن الذين اصطفتهم الدولة من الموالي لتوسيع قاعدة النخبة الحاكمة كانوا جزءاً ضئيلاً من فيضان الموالي الذين دخلوا الإسلام ، وبالتالي فهؤلاء الطبقة من الموالي كانوا قليلين لو قورنوا بالأعداد الهائلة للموالي التي دخلت الإسلام ، والتي مثلت عبئاً على الدولة الأموية.
2 ـ الطبقة الثانية:
وهم العلماء الذين انخرطوا في طلب العلم واستطاعوا أن يحفظوا للأمة الإسلامية تراثها الفقهي والأدبي والحديثي وكل فروع العلم ، ففي المدينة على سبيل المثال كان من سادة العلماء فيها: (سلمان بن بشار) مولى ميمونة بنت الحارث ، توفي سنة 103 هـ ، ونافع مولى عمر ، وربيعة الرأي وهو من شيوخ الإمام مالك ، وفي مكة: مجاهد بن جبر ، مولى قيس المخزومي ، توفي سنة 102 هـ ، وعكرمة مولى ابن عباس وعطاء بن أبي رباح ، وفي البصرة: الحسن البصري ، وأبوه مولى زيد بن ثابت ، وفي الشام: مكحول ، توفي سنة 118 هـ ، وفي مصر: يزيد بن حبيب (بربري)؛ وهو شيخ الليث بن سعد ، وغيرهم كثير.
3 ـ الطبقة الثالثة:
وهؤلاء هم عامة الموالي ، وهؤلاء تحولوا إلى الإسلام بدون أن يعقدوا مع إحدى القبائل العربية عقد موالاة ، فبقي ولاؤهم للأمة كلها ، أي: ينتسبون للأمة دون أن يكون هناك مؤسسة اجتماعية يمكن أن تحميهم أو تهيأى لهم الارتقاء في المؤسسات السياسية ، كما قد يكون هؤلاء موالي لبعض القوى الاجتماعية التي تتحيز الدولة ضدها ، كأن يكونوا موالي القيسية بينما قاعدة الدولة العصبوية تعتمد على اليمانية ، وهنا فإن الموالي يعاملون كما تعاملهم قبائلهم،... وبينما نعم العلماء بالاحترام ، فإن الطبقة الأولى من الموالي قد تعرضت لتقلبات السياسة ، بينما تعرضت الطبقة الأخيرة للمعاملة التمييزية التي تصل إلى حد الامتهان ، وقد أدت العصبية العربية ضد الموالي إلى رد فعل لديهم يؤكد ذاتهم في مواجهة تعصب العرب لبني جنسهم. وقد اتبع الموالي في خراسان الدعوة العباسية للتخلص من التمييز لاجتماعي والسياسي الذي مارسته ضدهم الدولة الأموية.
وفي الحقيقة لم تكن هناك سياسات عامة للدولة الأموية لاضطهادهم أو التعصب ضدهم ، ولم يكن هناك مجال من مجالات العمل موصد أمامهم ، فقد رأينا الأمراء وقادة الجيوش والعلماء من الموالي ، والحق أن هذه النظرة المتعالية إلى الموالي ، لم تكن نظرة كل العرب ، بل كانت نظرة بعض البدو الذين لم يفهموا الإسلام فهماً حقيقياً ، وربما كانت نظرة بعض الولاة ، الذين كان يستفزهم عداء الموالي للدولة الأموية ، فصدر منهم ظلم وجور للموالي وللعرب من أعداء الدولة ، ومن الظلم أن يحمل ذلك على أنه السياسة العامة للدولة الأموية ، وكما كان في الموالي من ارتفع به إيمانه فوق العصبية ، والعنجهية القومية؛ فقد كان الكثير من العرب من فهم الإسلام جيداً ، وامن بأنه يسوي بين جميع المسلمين ، من عرب وعجم ، وأيقن أن الرجل يشرف بدينه وعمله وخلقه ، وليس بجنسه وعرقه ، فأكرم الناس عند الله أتقاهم ، ولا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى ، فالحسن البصري وهو مولى كانت له منزلة كبيرة عند العرب ، وكلمة مسموعة حتى عند الدولة ، بل كان ينتقد علانية خلفاء بني أمية وولاتهم ، ويوم مات تبع الناس كلهم جنازته ، حتى لم يبق في المسجد من يصلي العصر.
وعلى كثرة من قتل الحجاج بن يوسف الثقفي من العرب والموالي في الثورات والفتن العديدة التي شهدتها ولايته على العراق لم يشتد استنكار الناس عليه في قتل أحد ، كما اشتد عليه في قتله سعيد بن جبير وهو مولى ، وذلك لمكانة سعيد عند الناس ، مع أنه خرج ثائراً على الدولة مع ابن الأشعث.
إن الفكرة الشائعة عن بني أمية والتي أذاعها فون كريمر ، وفان فلوتن ، وبروان ، ورددها كما هي جرجي زيدان وفيليب حتي ، ونقلها بعض المؤرخين المحدثين؛ مثل: حسن إبراهيم حسن ، وعلي حسني الخربوطلي ، وغيرهم ، وهي أن بني أمية كانوا متعصبين ضد الموالي ، وأنهم استغلوهم واضطهدوهم واحتقروهم ، وأنه كان من نتائج ذلك سخط الموالي الذي تولد عنه سقوط الدولة الأموية، وهذا ليس على إطلاقه ، فقد تبين أن هناك مجموعات من الموالي مع الأمويين ، وإنما كانت أعداد كبيرة من الموالي مثلهم مثل بقية العرب المعارضين للحكم الأموي استطاعت الدعوة العباسية أن توظف هذه الشريحة من المجتمع الإسلامي وتقنعها بمبادئها وأهدافها ، فانضوت تحت لواء الدعوة العباسية وساهمت في القضاء على الدولة الأموية ، فقد استغلت الدعوة العباسية كل الظروف واستفادت من جميع العناصر الناقمة على الدولة الأموية.
يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC9(1).pdf
الجزء الثاني:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC139.pdf
كما يمكنكم الاطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022