الأربعاء

1446-11-02

|

2025-4-30

في سيرة صلاح الدين الأيوبي:
النظم العسكرية  زمن صلاح الدين
الحلقة: الثامنة و الخمسون
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
ذو القعدة 1441 ه/ يوليو 2020


أولا: ديوان الجيش الصلاحي
كان هذا الديوان مسؤولاً عن الشؤون الخاصَّة بالجيش ، ويتولاَّه أحد المطلعين على قضايا هذه المؤسسة شرط أن يكون مسلماً ، وله الرتبة الجليلة ، والمكانة الرفيعة . كان هذا الديوان بمثابة وزارة الدفاع في الوقت الحاضر ، والمتولِّي له مسؤول عن معرفة أحوال الأجناد ، وتسجيل الأمور الخاصَّة بحضورهم ، وغيابهم ، وأوضاعهم الصحيَّة، وموتهم. وكان من اختصاصات ديوان الجيش إصدار إحصاءات دورية بعدد الجيوش ، والمبالغ المقررَّة لهم. ومن خصائص ديوان الجيش ما ذكره ابن خلِّكان في ترجمته للملك الظاهر غياث الدين بن صلاح الدين من أنه جلس يوماً لعرض العسكر، وديوان الجيش بين يديه ، فكان ، كلَّما حضر جندي أمامه؛ سأله عن اسمه؛ ليثبتوه في القوائم. وقام الموظفون بديوان الجيش بتسجيل أسماء أصحاب الإقطاعات على اختلاف طبقاتهم ، وعدد الجند التابعين لكلِّ مقطع داخل إقطاعه ، وأمام اسم كل مقطع عبارة إقطاعه «رمزاً لا تصريحاً». ولعلَّ ذلك كان من باب الحذر ، والسرِّية التي توخَّاها موظفوا الديوان ، لذا تجنب الديوان ذكر عبارة الإقطاع ، أو متحصله ، إلا بناء على مرسوم من السُّلطان. ويبدو : أن ديوان الجيش قد قام بالصرف على العمائر ، والتحصينات التي كان صلاح الدين يهتم بها خاصة في مصر خوفاً من هجوم الصليبيين عليها أثناء وجوده ببلاد الشام ، ولعلَّ خير شاهدٍ على تلك التحصينات ـ التي أنفق عليها الأموال الطائلة ـ بناءه للسُّور الأيوبي بالقاهرة ، وتأسيس قلعة الجبل على طرف جبل المقطم. وكذلك تحصين مدينة دمياط؛ التي يذكر المقريزي: أن تحصينها قد كلف «ألف ألف دينار». وأما أهم موظفي ديوان الجيش في عهد صلاح الدين؛ فيشمل الناظر ، وهو الذي يعدُّ المسؤول الأول عن كل ما يجري في الديوان ، ويلي الناظر متولي الديوان ، ومهمته الإشراف على تنفيذ تعليمات الناظر. والمستوفي ، ووظيفته: مطالبة الموظفين بما يجب عليهم رفعه من الحساب في أوقاته. وموظفين اخرين.
ثانيا: زي الأجناد:
إنَّ الدولة الأيوبية لمَّا طرأت على الدولة الفاطمية ، وخلفتها في الديار المصرية خالفتها في كثيرٍ من ترتيب المملكة ، وغيَّرت غالب معالمها ، وجرت على ما كانت عليه الدولة الأتابكية في عهد عماد الدِّين زنكي بالموصل ، ثم ولده الملك العادل نور الدين محمود بالشام ،ومن معه ، وكان من شأنهم: أنَّهم يلبسون الكلوتات الصفر على رؤوسهم مكشوفة بغير عمائم ، وذوائب شعورهم مرخاة تحتها ، سواء في ذلك المماليك ، والأمراء ، وغيرهم. وعلى العموم فزيُّ الأجناد في الدولة الأيوبية امتدادٌ طبيعيٌّ لزيِّ الأجناد في الدًّولة الزنكية.
ثالثا: التموين:
كانت مواد التموين ُتُحمل في مؤخرة الجيش عادةً ، أي: في الساقة ، وكانت تُسمَّى ، «الثقل» ولكن حدث في بعض الحملات أن وضعوا الثقل في وسط الجيش ، أي: بالقرب من قلب العسكر ، ويحتمل أن يكون سبب ذلك خشيتهم من استيلاء العدو عليه ، والظفر به ، ففي أواسط جماد الأولى سنة 584هـ/1188م رحل السلطان إلى تعبئة لقاء العدو ، ورتب الأطلاب ، وسارت الميمنة أولاً ، والقلب في الوسط ، والميسرة في الأخير ، ومقدمها مظفر الدين بن زين الدين ، وسار الثِّقل في وسط المعسكر. ونجد أن الجند من جهتهم كانوا يحملون معهم بعض مواد التموين الضرورية في الجراب ـ الصولق ـ المعمول من الجلد الذي يعلَّق على الكتف ، ولدى التهيؤ للسير يتعبأ الجند بنزولهم إلى السوق ، والتزوُّد بالضرورات ، ولعلَّها لم تتعدَّ الخبز ، والجبن ، والبصل ، وبعض اللُّحوم المجففة ، وشيئاً من الحبوب ، والبقول ، والأثمار، والتمور.
فلدى الاستعداد للقيام بنوبة الرَّملة؛ التي انتهت بهزيمة صلاح الدين 573هـ/1177م يتحدَّث العماد الكاتب بأسلوبه المسجَّع؛ الذي اشتهر به ، ويقول: نودي في الجنود: خذوا زاد عشرة أيام أخرى زيادة للاستظهار ، فكتب إلى سوق العسكر للابتياع ، وقد أخذ السعر في الارتفاع. وفي الغزوات التي أعقبت موقعة حطين ، وقيام الجيش الأيوبي بالإغارة على الساحل في منطقة إمارة طرابلس الصَّليبية سن 584هـ/1188م نودي في الجنود: إنَّا داخلون إلى الساحل ، وهو قليل الأزواد ، والعدوُّ بنا في بلاده من سائر الجوانب ، فاحملوا زاد شهر.
وحين اشتدَّت الضائقة على أهل عكَّا في الحصار الشديد الطويل ، بعث الأمير بهاء الدين قراقوش من داخل المدينة يشكو إلى السُّلطان قلة الميرة ، فرتب لهم السُّلطان بطسة (سفينة ضخمة) كبيرة ، وأرسلها ، ولكي يتمَّ دخولها إلى عكَّا بسلام وضع على البطسة بعض النصارى من أهل بيروت؛ الذين كانوا قد أسلموا ، لكي يستطيعوا التفاهم مع الأعداء المحاصرين ، ويموهوا عليهم بلغتهم ، ولباسهم. وللزيادة في التمويه أمرهم أن يرفعوا الصُّلبان على سارية البطسة، ووضعوا الخنازير على سطحها ، وساروا نحو عكَّا ، وفي الطريق اعترضهم الصليبيون ، إلا أنهم استطاعوا تمرير الخديعة وإيهامهم بأنهم صليبيون ، ودخلوا الميناء المحاصر ، ومعهم الميرة وهي أربعمئة غرارة قمح ، وكميات من الجبن ، والبصل ، والغنم ، وسائر ما يحتاجون إليه.
وقد تكَرَّر إرسال المؤن إلى عكَّا نظراً لطول مدَّة الحصار ، وكانت تأتيهم من مصر ذات الثروة الطائلة؛ إضافةً إلى ما كان يرسل إليها من بيروت ، وابتدع المسلمون من أجل ذلك مختلف السبل للحيلولة دون سقوطها. ثم حلَّت بهم الهزيمة ، وسقطت عكَّا ، وكانت صعوبة التموين أهم أسباب سقوطها. وحدث لبعض المدن التي كانت بيد الصليبيين أن سقطت بيد الجيش الأيوبي بسبب انقطاع الميرة عنها . ونجد أن الجيش الأيوبي كان يلجأ في الحروب إلى قطع طرق التموين عن عدوه لتجويعه ، ومن ثم إضعافه ، وتسليمه. وكما قام بإفساد زرع الصليبيين، وكرومهم ، وقطع أشجارهم في منطقة الكرك في محاولة لإضعاف صاحبها رينودي شاتيون ، وقام بحصد غلاَّت العدو حين جفَّ زرعهم.

 

يمكنكم تحميل كتاب صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس
        من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:

 


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022