في سيرة صلاح الدين الأيوبي:
حصار الموصل الثالث ودخولها في طاعة صلاح الدين:
الحلقة: السبعون
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
ذو الحجة 1441 ه/ يوليو 2020
عندما انتهى صلاح الدين من أمر ميافارقين؛ عاد إلى الموصل ليحاصرها للمرَّة الثالثة ، وجعل طريقه على نصيبين ، ووصل إلى كفر زحار في شعبان من سنة 581 هـ وأقام فيها لحين انتهاء فصل الشتاء ، ثم جاء رسول عز الدين مسعود صاحب الموصل يطلب الصلح، ومرض صلاح الدين في ذلك الوقت ، فرحل إلى حَرَّان ، فاغتنم عز الدين مسعود الأول هذه الفرصة ، وجدَّد محاولاته لتحقيق التفاهم معه بعد أن يئس من مساندة الخليفة له ، ووقوف سلطان العجم إلى جانبه ، فأرسل بهاء الدين بن شدَّاد ، وفَوَّضه بالتوقيع على الصُّلح ، وكانت اتفاقية الصُّلح بين الطرفين تنصُّ على ما يأتي:
1 ـ يسلم عز الدين مسعود أتابك الموصل إلى صلاح الدين شهرزور ، وأعمالها ، وولاية القرابي وجميع ما وراء الزاب من أعمال مع ولاية بني قفحاق.
2 ـ يتخلَّى صلاح الدين عن الموصل ، وأعمالها إلى عز الدين مسعود زنكي ، وتكون إدارتها له على أن يكون تابعاً إلى صلاح الدين «حكماً ذاتياً» في ضمن إطار الدُّول الأيوبية.
3 ـ يجب على عز الدين أن يخطب باسم صلاح الدين على المنابر ، والبلاد التابعة له ، وأن تقطع الخطبة السَّلجوقية عن تلك البلاد ، كما وافق عز الدين مسعود على صكِّ النقود باسم صلاح الدين في تلك البلاد.
4 ـ على عز الدين مسعود الالتزام بالحضور مع عساكره في خدمة صلاح الدين متى استدعاه ، وأن يشترك الطرفان في مجاهدة الصَّليبيين ، واسترجاع فلسطين.
5 ـ يتعهَّد الطرفان بالحفاظ على المعاهدة السابقة ، ووضعت بنودها بالقول في ذي الحجة سنة 581 هـ/3 آذار 1186 م واستمرَّ العمل بهذ المعاهدة ، وصلاح الدين على ذلك الصُّلح لم يتغيَّر حتى وفاته.
وبهذا الاتفاق استطاع صلاح الدين توحيد الجبهة الإسلامية تحت زعامته ، وأصبح أقوى حاكم مسلم في المنطقة ، وبهذا الإنجاز أصبح أمامه السَّعي لتحقيق الهدف الكبير ، وهو: تحرير القدس ، وبقية الأرض الإسلامية من الغزاة الصَّليبيين.
تعقيب على علاقة صلاح الدين مع الأسرة الزنكية: في الوقت الذي جرى فيه إبداء التشكيك في حقيقة دوافع صلاح الدين ، وعلاقته بالأسرة الزَّنكية من جانب بعض المؤرخين المعاصرين له ، وبعض الباحثين المحدثين ، فإن هذا الارتياب يفقد أهميته ، ولا يستند إلى ايِّ أساس صحيح بدليل:
ـ كان صلاح الدين حريصاً بدقةٍ شديدة على أن يعرض على الخليفة دوافع عمله في مراسلاته معه.
ـ إنَّ الدوافع التي برَّر من خلالها أعماله ترجع دائماً إلى جهاد الصليبيين ، وتحرير بيت المقدس ، بالإضافة إلى الحاجة الماسَّة لتوحيد الصف الإسلامي ، من أجل تطوير متابعة الجهاد بنجاح.
اتَّصف صلاح الدين أثناء تعامله مع الزنكيين بالكرم بصورةٍ دائمة بعد هزيمته لهم في المعركة, وفي أساليب فرض الحصار عليهم.
ـ بعد تحقيق وحدة مصر ، وبلاد الشام ، وضمان تأييد الموصل؛ شرع صلاح الدين فوراً في تحقيق الهدف الثاني؛ الذي يمثل اهتمامه الأساسي ، وهو تدمير الجيش الميداني للمملكة الَّلاتينية, وفتح بيت المقدس. وسنرى: أنَّ الأمر الأول تحقَّق في معركة حطين؛ التي تأثرت نتيجتها بقدراته على نشر قوَّةٍ إسلاميةٍ كبيرةٍ ، وموحَّدة في الوقت الصحيح ، وفي المكان الصَّحيح؛ في حين تحققَّ الأمر الثاني بعد معركة حطين ، وجاء نتيجة للانتصار في هذه المعركة.
ومن الأخلاق التي تميَّز بها صلاح الدين في صلح الموصل: أنه لم يغادر منطقة الموصل حتى أهدى صاحبها ، ووالدته، وزوجته ، وابنة نور الدين ، وعدداً آخر من رجال الدولة هدايا عظيمةً بما يزيد على عشرة الاف دينار سوى الخيل ، والطيب ، والتحف الغربية ، والثياب ، وتوجَّه بعد أن زال عنه المرض مع أخيه العادل أوائل سنة 582 هـ إلى حلب ، ثم دمشق ، وكتب إلى جميع عماله بالأقطار بإخراج الصَّدقات ، وقد تصدَّق في دمشق وحدها بخمسة الاف دينار مصرية.
يمكنكم تحميل كتاب صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي: