الخميس

1446-11-17

|

2025-5-15

في سيرة صلاح الدين الأيوبي:
إصلاحات صلاح الدين في بيت المقدس:
الحلقة: السابعة و الثمانون    
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
محرم 1442 ه/ أغسطس 2020


قام صلاح الدين بإزالة ما استحدثه الصَّليبيون من الأبنية ، والأسوار في بيت المقدس ، فقد قام فرسان الدَّاوية غربي المسجد الأقصى أبنية للسكنى ، وأدخلوا بعض الأقصى في أبنيتهم ، وبنوا على وجه المحراب جداراً ، وتركوه مخزناً للغلَّة، وقيل اتخذوه مستراحاً قاصدين بذلك طعن الإسلام ، والمسلمين كما بنوا على الصَّخرة في بيت المقدس كنيسةً ، وستروها بالأبنية ، وملؤوها بالصُّور ، ونصبوا عليها مذبحاً ، وعيَّنوا بها مواضع الرُّهبان ، كما أقاموا على رأس قبة الصخرة صليباً كبيراً ، وغير ذلك؛ حتى غيَّروا معالمها. وقام الطَّامعون منهم بقطع قطع منها ، وبيعها في أسواق القسطنطينية ، وجزيرة صقلية بوزنها ذهباً ، فلمَّا كان يوم الجمعة الرابع من شعبان 583 هـ/9 أكتوبر 1187 م وهي الجمعة التالية للجمعة التي دخل فيها المسلمون بيت المقدس ، أمر صلاح الدين بإزالة ما استحدثه الصّليبيون من الأبنية ، والأسوار ، وكشف الجدار الساتر للمحراب ، كما أمر بإزالة ما استحدثوه على قبَّة الصخرة المقدَّسة من مبانٍ ، وصور ، ثم أمر الفقيه ضياء الدين الهكَّاري بأن يكون أميناً عليها ، وأدار عليها شبابيك من حديد.
أما بالنسبة للصَّليب الذَّهبي الذي أقامه الصَّليبيون على قبة الصَّخرة ، فيذكر ابن واصل: أنَّ المسلمين ما أن دخلوا البلد حتى تسلَّق جماعةٌ منهم إلى أعلى القبة ، واقتلعوا الصليب ، الذي سقط ، وعند ذلك؛ صاح الناس كلهم صوتاً واحداً ، من البلد ومن ظاهره. المسلمون ، والفرنج، أما المسلمون فكبروا فرحاً ، وأما الفرنج فصاحوا توجعاً ، وتفجعاً.
ولما فرغ صلاح الدين من إزالة ما استحدثه الصَّليبيون داخل بيت المقدس بدأ بعمارة المسجد الأقصى ، فبذل جهداً كبيراً في تحسينه ، وترصيفه وتدقيق نقوشه ، فأحضر له من الرُّخام مالا يوجد مثله ، ومن الفصِّ المذهب القسطنطيني، وغير ذلك من المواد للتزيين مالا يمكن وصفه ، وشرع في عمارته ، وتزيينه ، وإزالة ما على جدرانه من الصُّور ، والتماثيل وخصَّ صلاح الدين المحراب باهتمام كبيرٍ ، فعمل على ترخيمه ، وتزيينه ، وتقدَّم السلطان في المسجد الأقصى ببسط العراص ، وإخلائها لأهل الإخلاص ، وتنظيفها من الأدناس ، وكنس ما في أرجائها من الأرجاس ، وأحضر الملك المظفر تقي الدين عمر إلى قبة الصخرة أحمالاً من ماء الورد ، وتولَّى بيده كنس ساحتها ، وعراصها ، ثمَّ غسلها بالماء مراراً؛ حتى تطهَّرت ، ثمَّ أفاض عليها ماء الورد ، وطهر حيطانها ، وغسل جدرانها ، ثم بخَّرها بمجامر الطِّيب.
وجاء الملك الأفضل نور الدين علي بن صلاح الدين؛ بكل نور جليٍّ ، وكرمٍ مليٍّ ، وبسط بها الضيعة ، وفرش فيها البسط الرفيعة. كما قام المسلمون بكنس عراص المسجد ، وتنظيفها ، ثم فرشها بالبسط عوض الحصر ، والبواري ، وعلقت القناديل ، وصفت السَّجادات.
وبعد أن أنهى صلاح الدين تطهير بيت المقدس ممَّا علق به من اثار الصليبيين؛ رتب في المسجد الأقصى ، وقبَّة الصخرة ، وغيرها من المساجد داخل بيت المقدس الخطباء ، والأئمة ، والمؤذنين ، والقومة ، وأحضر إليها المصاحف، والربعات؛ كما قام صلاح الدين بإنشاء المدارس ، والأربطة ، فجعل كنيسةً مدرسةً للفقهاء الشَّافعية ، وعيَّن دار البطريك رباطاً للفقراء ، وأوقف على ذلك أوقافاً جليلةً.
وكان لاسترجاع صلاح الدين لبيت المقدس من أيدي الصَّليبيين أهميةٌ خاصَّةٌ بالنسبة لصلاح الدين ، ومكانة بين أبطال المسلمين؛ حتى إنَّه يمكن القول: أنَّه إذا كان الخليفة الرَّاشد عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قد طهَّر بيت المقدس من براثن الرُّوم في السنة الخامسة عشرة للهجرة ، فإنَّ صلاح الدين أعاد تلك الذكرى في القرن السَّادس الهجري بعد أن تعرض بيت المقدس لذلك الاعتداء الصَّليبي؛ الذي استمرَّ ما يقارب المئة عام ، ووضع صلاح الدين بذلك العمل الجليل الأساس لمن بعدهم من سلاطين المسلمين للقضاء على بقايا الصَّليبيين في بلاد الشام.


يمكنكم تحميل كتاب صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:

 


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022