الخميس

1446-11-03

|

2025-5-1

صفات الملك التي أنعم بها الله تعالى على داوود (عليه السلام )

مختارات من كتاب الأنبياء الملوك (عليهم السلام)

بقلم: د. علي محمد الصلابي

الحلقة (22)

 

قال تعالى: ﴿وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ﴾:

أ- ﴿وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ﴾:

شدَّ الله ملك داوود وقواه وثبَّته، ومنحه كل ما يحتاجه ملكه من وسائل القوة والتثبت، من المال والرجال والعتاد والسلاح والدروع والتشريع، كما قال الإمام ابن كثير: ﴿وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ﴾؛ أي جعلنا له ملكاً كاملاً من جميع ما يحتاج إليه الملوك. ومن مظاهر شَدّ الله لملكه ما آتاه من الحكمة وفصل الخطاب.

ب- ﴿وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ﴾:

قال بعض العلماء: الفهم والعقل والعدل والصواب، وقالوا: كتاب الله واتباع ما فيه. وقال البعض الآخر: الحكمة: التوراة.

وهذه الأقوال الثلاثة متقاربة، وهي من الحكمة؛ فالنبوة من الحكمة، وكتاب الله من الحكمة، واتباع وتطبيق ما فيه من الحكمة، وأوتي داوود (عليه السلام) الزبور، ومَنَّ الله عليه بالشريعة.

ونتج عن النبوة والشريعة وكتاب الله فهم داوود (عليه السلام)، وفطنته وحكمه بالعدل وقوله الحق والصواب. وإن الحكمة هبة ومنحة من الله تعالى لبعض الناس، وخاصة الأنبياء والمرسلين، وعلى الأخص عند اجتماع النبوة والملك والقضاء، لمعرفة الحق، وإقامته، والقضاء به وتنفيذه والالتزام به، وهذا ما وهبه الله تعالى لداوود (عليه السلام).

قال تعالى: ﴿وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾، وبما أن الله آتى داوود (عليه السلام) الحكمة، فقد كان حكيماً في نفسه، يتمتع بالفطنة والفهم والذكاء والفقه والعلم، وكان حكيماً مع قومه يقضى بينهم بالحكمة، ويحكم فيهم بالحق والصواب، وقد كان حكمه وقضاؤه يمنع الفساد، ويحقق الخير والصلاح.

جـ- ﴿وَفَصْلَ الْخِطَابِ﴾:

القطع والجزم، تقول: فصل كذا إذا منعه. والخطاب هو الكلام والجدال والخصام بين الطرفين المتخاصمين.

والفصل هو: الكلام والجدال والخصام بين الطرفين المتخاصمين.

وتبيِّن هذه الآية الكريمة أن الله تعالى آتى داوود (عليه السلام) فصل الخطاب، وكان هذا ثمرة للحكمة التي منَّ الله عليه بها: ﴿وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ﴾.

وهذه شهادة من الله تعالى لنبيه داوود (عليه السلام) بموهبته في الحُكم والقضاء، حيث كان يحكم بين الناس بشرع الله ويقضي بين المتخاصمين والمتنازعين بالحكمة التي آتاه الله إياها.

وكانت أحكام داوود (عليه السلام) وأقضيته صائبة صحيحة، كيف لا وهو النبي المؤيد من الله تعالى، وهو المعصوم بعصمة الله له، وكانت أحكامه وأقضيته تؤدي إلى فصل الخطاب، وقطع الخلاف، وإنهاء النزاع.

قال مجاهد والسدي: فصل الخطاب هو إصابة القضاء وفهم ذلك. وكان يساعده في أقضيته وأحكامه ابنه سليمان (عليه السلام)، الذي آتاه الله الحكمة والعلم أيضاً، فأضاف حكمته إلى حكمة أبيه وعلمه إلى علمه، وإذا دعت الحاجة إلى الاستدراك على أبيه في حكمه كان يفعل، وكان أبوه يتقبل ذلك برضى، ويُمضي حكم ابنه وقضاءه.

إن هذه النتيجة: ﴿وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ﴾ من أسباب تحقيق مفهوم العبودية الشامل في التسبيح والذِكر والطاعة والجهاد في سبيل الله عز وجل، والحرص على تنفيذ شرعه والتصدي للموبقات والمنكرات والكبائر... إلخ.

 

مراجع الحلقة:

- علي محمد محمد الصلابي، الأنبياء الملوك، الطبعة الأولى، دار ابن كثير، 2023، ص 122-125.

- صلاح الخالدي، القصص القرآني عرض وقائع وتحليل أحداث، دار القلم، دمشق - الدار الشامية، بيروت، ط1، 1419ه - 1998م، ص (3/440-442).

- محمد مصطفى الزحيلي، شرعة الله للأنبياء، دار ابن كثير، دمشق، ط1، 2018م، (3/441).


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022