داوود (عليه السلام) لم يخطئ في تخصيص الليل لعبادة الله تعالى ...
مختارات من كتاب الأنبياء الملوك
بقلم د. علي محمد الصلابي
الحلقة (24)
بقي أن نقول: هل أخطأ داوود فيما فعل؟ هل أخطأ في احتجابه عن الناس في الليل، وذهابه إلى المحراب ليناجي ربه؟ الجواب بالنفي. لقد جعل النهار للحكم والقضاء بين الناس، وجعل الليل لعبادة الله ومناجاته، ولذلك منع دخول أحد من الناس عليه.
وهذا الفعل منه صواب ولا خطأ فيه، ولكن كان الأولى والأفضل والأكمل ألّا يغلق بابه أمام أحد، في أي ساعة من ساعات الليل والنهار، وعليه أن يسمع شكوى أيّ مشتك، أو متظلم حتى ولو كان عابداً في محرابه.
وأرسل الله الملكين في صورة رجلين، وتسوّرا عليه المحراب، وعرضا عليه قضية مثيرة، وذلك لإرشاده إلى أنه ترك الأولى والأفضل والأكمل، ودعوته إلى عدم الاحتجاب عن أحد.
إذن؛ ففعله صواب وصحيح، ولا خطأ فيه، ولكن الله أرشده إلى ما هو أولى وأفضل، وقد وعى هذا التوجيه عليه الصلاة والسلام.
- قال السعدي رحمه الله: في قوله تعالى: ﴿فَغَفَرْنَا لَهُ ذَٰلِكَ﴾ الذي صدر منه، وأكرمه الله بأنواع الكرامات، فقال: ﴿وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى﴾ أي: منزلة عالية، وقربة منا، ﴿وَحُسْنُ مَآبٍ﴾ أي: مرجع.
وهذا الذنب الذي صدر من داوود (عليه السلام)، لم يذكره الله لعدم الحاجة إلى ذكره، فالتعرض له من باب التكلّف، وإنما الفائدة ما قصه الله علينا من لطفه به وتوبته وإنابته، وأنه ارتفع محله، فكان بعد التوبة أحسن منه قبلها.
- وقال الدكتور عبد الكريم زيدان -رحمه الله- في قصة الخصمين: واختلف المفسرون في الذي استغفر داوود (عليه السلام) منه؛ على أقوال، أرجّح منها قول من قال: إنه (عليه السلام) حكم لأحد الخصمين في الدعوى التي دفعها إليه قبل أن يستمع إلى حجة الخصم الآخر، وإنما اكتفى باستماع ادّعاء المتظلم المدعي فقط.
وقال: ويُستفاد من قصة الخصمين مع داوود : أن على الدعاة أن يعرفوا ما يريدون عرضه من أمور الدعوة على الناس بشكل مشوِّق إلى استماعه، فعلى الداعي عند عرضه موضوعاً ما في خطبته أو في درسه على الناس أن يبدأه بما يشد السامعين إليه ويجلب انتباههم ويشوقهم إلى سماع تفاصيل هذا الموضوع، وقد يكون التشويق بذكر مَثَل، أو بطرح سؤال جوابه معروف وطرحه يثير اهتمام السامعين عما عسى أن يكون الجواب غير الذي يعرفونه، وألا تتعجل في إصدار الأحكام في القضايا التي ترفع -إلى أصحاب الشأن من القضاة- للبتّ فيها وإنما على القضاء الوقوف على جميع جوانب القضية واستماع من له علاقة بها، وإذا آل الأمر في نظر قضية ما إلى تحديد المسؤولية لمحاسبة الشخص المسؤول عن هذه القضية أو من يمثلها أن تسمع حجته ودفاعه عن نفسه، فإنّ من قواعد الإسلام (البيِّنة على من ادّعى واليمين على من أنكر).
مراجع الحلقة:
- علي محمد محمد الصلابي، الأنبياء الملوك، الطبعة الأولى، دار ابن كثير، 2023، ص 126137-140.
- عبد الرحمن بن ناصر السعدي، تفسير السعدي: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، الدمام: دار ابن الجوزي، ط4، 1435هـ، ص955.
- المستفاد من قصص القرآن للدعوة والدعاة، عبد الكريم زيدان، مؤسسة الرسالة، ط1، 1419ه - 1998م، ص282.
- صلاح الخالدي، القصص القرآني، (3/465).