من آيات خلق النبات.. أسرار الإعجاز القرآني
الحلقة الثالثة والأربعون
بقلم الدكتور: علي محمد الصلابي
جمادى الآخر 1441ه/فبراير 2020م
عالم النبات مستقل عنا لا نكاد نعرف شيئاً عن جوهره ولا عن سره فالنبات كائن حي يسبح لله عز وجل، قال تعالى: " تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا" (الإسراء ، آية : 44)، يوضح لنا أن الأشياء تسبح جميعاً لله عز وجل، ولكننا عاجزون عن فهم تسبيحها، فهذا العجز منا، كما دلت الآية يؤدي بنا إلى التسليم بقصور أدواتنا ووسائلنا المعرفية وقصور عقلنا وعجزه عن استيعاب ما يجري في أرجاء الكون الفسيح والله يقول: " وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ" (الرعد ، آية : 15).
فأبان سبحانه أن كل من على الأرض من الكائنات العالقة بما فيها الإنسان والجن والملائكة موكولون في الأرض يسجدون شاءوا أم أبوا وخاضعون ومستسلمون لمشيئته وإرادته الكونية سبحانه وتعالى.
وإذا كان هذا في الكائنات العاقلة المكلفة واضحاً إلا أنه يمكن أن يكون أشد غموضاً في حال الكائنات الحية غير العاقلة أو الجماد، فإن قوله تعالى: " وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ" (الرحمن ، آية : 6)، يدل على سجود النبات والجماد، إذا وضعنا في اعتبارنا دلالة كلمة النجم على النجم الذي في السماء لا أنه نبات الأرض.
وقد توصل العلماء إلى حقائق علمية في النبات وزراعته يؤيدها الكتاب والسنة تأييداً واضحاً، ومن هذه الأمور:
1 ـ الزوجية في عالم النبات:
يبين الله سبحانه في كتابه الكريم أنه خلق من الأرض زوجين اثنين ثم يذكر خلقه للأزواج كلها، وهو يقول سبحانه، قال تعالى: " وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ" (الحج ، آية : 5).
فهذا في حق الأرض وكذلك قال سبحانه في هذا الموضوع، وقال تعالى: " أَوَلَمْ يَرَوْا إلى الْأَرْضِ كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ" (الشعراء ، آية : 7).
وقال أيضاً في نفس الموضوع " وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ" (ق ، آية : 7).
ثم قال أيضاً: " سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ" (يس ، آية : 36).
ــ وقال تعالى: "وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاء مَاء بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ * وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ" (الزخرف ، آية : 11 ـ 12).
وقال أيضاً: "وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" (الرعد ، آية : 3)
ــ وقال تعالى: " وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ" (الذاريات ، آية : 49).
فإن ذكر الزوجية جاء مطلقاً بكلمة "زوجين"، ثم أكد بوصف "اثنين"، ثم في موضع ثالث ذكرت "الأزواج" وخلقه سبحانه لها، مما يجعل الزوجية عامة في كل شيء، وكذلك معنى "الأزواج" و"زوجين" يصل بنا إلى فهم أعمق من مجرد الذكورة والأنوثة، فكل شيء على الأرض فيه "زوجان" مما يشعر بمعنى الازدواج فضلاً عن معنى الذكورة والأنوثة، فمثلاً الطعم الحلو والحامض، وغير ذلك مع الألوان المختلفة فيها هذا الازدواج، فهو داخل ضمن معنى الأزواج، والذكورة والأنوثة داخلة ضمن معنى "زوجين اثنين"، فالآيات تدل على الزوجية والازدواج، وهو ما يشير إلى معان عامة، منها تصنيفات النبات في فصائل أو أزواج، وتصنيفات أخرى متوفرة في خلق الله جميعه، فاتجاه الساق واتجاه السنبلات واتجاه ما في الثمر والزهر، كله فيه معنى الشرق والغرب أو اليمين واليسار والشمال والجنوب.
وفي قوله تعالى: " وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ" (الذاريات ، آية : 49).
تأكيد على قاعدة الزوجية المطلقة في خلق كل شيء من الأحياء والجمادات، بمعنى أن الله تعالى، خلق كل شيء في زوجية حقيقية، وأن هذه الزوجية ظاهرة عامة في كل المخلوقات، وعلى جميع المستويات، من اللبنات الأولية للمادة إلى الإنسان وإلى مختلف أحداث الكون، وأنها سمة من سمات التناسق والتناغم والتوافق في الخلق، وشهادة ناطقة بالوحدانية المطلقة للخالق سبحانه، تلك الوحدانية المطلقة التي تؤكد أن الخالق سبحانه وتعالى فوق جميع خلقه، وهو الذي وصف ذاته العلية بقوله تعالى: " فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ" (الشورى ، آية : 11).
كما وصف هذه الذات العلية بأمره الواضح الصريح إلى خاتم أنبيائه ورسله صلى الله عليه وسلم، ومن ثم إلى كل مؤمن بالله أن يردد في كل وقت وفي كل حين: "قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ" (الإخلاص ).
المصادر والمراجع:
* القرآن الكريم
* علي محمد محمد الصلابي، المعجزة الخالدة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم براهين ساطعة وأدلة قاطعة، دار المعرفة، صفحة (184:181).
* زغلول النجار، النبات في القرآن الكريم، صفحة 179، 180.
* هيثم جمعة، روائع الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية، صفحة 232، 234.