الأربعاء

1446-11-02

|

2025-4-30

وفاة داوود (عليه السلام)

مختارات من كتاب الأنبياء الملوك (عليهم السلام)

بقلم: د. علي محمد الصلابي

 

كان داوود (عليه السلام) هو المقتدى به في ذلك الزمان في العدل وكثرة العبادة وأنواع القربات، وصدرت عنه حكم، ذكرها الحافظ ابن عساكر في ترجمته.

وكان عمر داوود ستين سنة، وزاده آدم من عمره أربعين، فبلغ عمره مئة سنة، ففي الحديث، عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله ﷺ: «لمَّا خلق اللهُ آدمَ مسح على ظهرِه فسقط من ظهرِه كلُّ نسَمةٍ هو خالقُها من ذرِّيَّتِه إلى يومِ القيامةِ وجعل بين عينَيْ كلِّ إنسانٍ منهم وبيصًا من نورٍ ثمَّ عرضهم على آدمَ فقال: أي ربِّ من هؤلاء؟ قال هؤلاء ذرِّيَّتُك فرأَى رجلًا منهم فأعجبه وبيصُ ما بين عينَيْه، فقال: أي ربِّ من هذا؟ فقال: رجلٌ آخرُ الأممِ من ذرِّيَّتِك يُقالُ له داودُ، قال: أي ربِّ كم جعلتَ عمرَه؟ قال: ستِّين سنةً، قال: أي ربِّ زِدْه من عمري أربعين سنةً، فلمَّا انقضَى عمرُ آدمَ جاء ملَكُ الموتِ فقال آدمُ أوَلم يبقَ من عمري أربعون سنةً؟ قال: أوَلم تُعطِها ابنَك داودَ؟ قال: فجحَد وجحَدت ذرِّيَّتُه، ونسِي فنسِيَت ذرِّيَّتُه، وخطِئ فخطِئت ذرِّيَّتُه». وقد أنكر آدم ذلك؛ لأنه كان في عالم الذر فلم يستحضره حالة مجيء ملك الموت له، فأنكرت ذريته، ونسي آدم فنسيت ذريته، وعصى آدم بأكله من الشجرة فعصت ذريته، لأن الولد يشبه أباه.

وقد اجتمع لداوود النبوة والملك، وحباه الله من النعم أشرفها، ومن الفضل والتوفيق الشيء الكثير، وقد تحدث القرآن في ذلك في آيات عدّة.

وقد دفن بالقدس -عند المؤرخين- حيث مات. وقد حدث أبو بكر الصديق رضي الله عنه أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: «ما قبض نبي إلا دفن حيث قبض»، وفي رواية: «ما مات نبي إلا دفن حيث قبض».

وقد بيّن رسول الله ﷺ كيفية وفاة داوود (عليه السلام) فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «كَانَ دَاوُدُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فِيهِ غَيْرَةٌ شَدِيدَةٌ، فَكَانَ إِذَا خَرَجَ أُغْلِقَتِ الْأَبْوَابُ، فَلَمْ يَدْخُلْ عَلَى أَهْلِهِ أَحَدٌ حَتَّى يَرْجِعَ»، قال: «فَخَرَجَ ذَاتَ يَوْمٍ وَأُغْلِقَتِ الْأَبْوَابُ، فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ تَطَّلِعُ إِلَى الدَّارِ، فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ وَسَطَ الدَّارِ، فَقَالَتْ لِمَنْ فِي الْبَيْتِ: مِنْ أَيْنَ دَخَلَ هَذَا الرَّجُلُ، وَالدَّارُ مُغْلَقَةٌ؟ وَاللَّهِ لَنَفْتَضِحَنَّ بِدَاوُدَ، فَجَاءَ دَاوُدُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَإِذَا الرَّجُلُ قَائِمٌ وَسَطَ الدَّارِ، فَقَالَ لَهُ دَاوُدُ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: الَّذِي لَا يَهَابُ الْمُلُوكَ، وَلَا يَمْتَنِعُ مِنَ الْحُجَّابِ. فَقَالَ دَاوُدُ: أَنْتَ وَاللَّهِ إذًا مَلَكُ الْمَوْتِ. مَرْحَبًا بِأَمْرِ اللَّهِ، فَتَزَمَّلَ دَاوُدُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، مَكَانَهُ حَتَّى قُبِضَتْ نَفْسُهُ، حَتَّى فُرِغَ مِنْ شَأْنِهِ وَطَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، فَقَالَ سُلَيْمَانُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، لِلطَّيْرِ: أَظِلِّي عَلَى دَاوُدَ، فَأَظَلَّتْ عَلَيْهِ الطَّيْرُ حتى أظلمت عليهما الأرض، فَقَالَ لَهَا سُلَيْمَانُ: اقْبِضِي جَنَاحًا جَنَاحًا" قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ فَعَلَتِ الطَّيْرُ؟ فَقَبَضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدَهُ، وَغَلَبَتْ عَلَيْهِ يَوْمئِذٍ المضرَحية».

والمضرحيّة: وهي الصقور الطوال الأجنحة. واحدها المضرحيّ. قال الجوهري: وهو الصقر طويل الجناح.

يؤكد هذا الحديث حقيقة تخيير الأنبياء عند قبضهم وعندما يخيرون يختارون لقاء الله، فيقبض الله أرواحهم. ومر معنا من قبل في كتابي: "موسى (عليه السلام) كليم الله.. عدو المستكبرين وقائد المستضعفين" تخيير الله لموسى عند موته وهذا الحديث يبيّن لنا رسول الله قصة تخيير داوود (عليه السلام) عند موته، وقد جاءت قصة داوود (عليه السلام) مفصّلة أكثر من غيرها في سورة ص.

 

مراجع الحلقة:

- الأنبياء الملوك، علي محمد محمد الصلابي، الطبعة الأولى، دار ابن كثير، 2023، ص 217-219.

- صحيح قصص الأنبياء، أحمد جاد، دار الغد الجديد، ط1، 2009م، ص393.

- مقارنة الأديان "اليهودية"، د. أحمد شلبي، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، ط9، 1990م، ص (1/155).

- دراسات تاريخية من القرآن الكريم، محمد بيومي مهران، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، ط2، 1408ه - 1988م، ص (3/79).

لمزيد من الاطلاع ومراجعة المصادر للمقال انظر:

كتاب الأنبياء الملوك في الموقع الرسمي للشيخ الدكتور علي محمد الصلابي


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022