لماذا خلق الله الشرور والآثام في الكون؟
إن حِكمة الخالق تبارك وتعالى من خلقِ إبليس، وخلقِ الآثام والشرور في الكون ما لا يحيط بتفصيله إلا هو سبحانه وتعالى، وهي من تمام قدرته وقضائه في خلقه، ونذكر من تلك الأسباب:
- أراد الله أن يكمل لأنبيائه وأوليائه مراتب العبودية بمجاهدة الشيطان، وحزبه، ومخالفته، ومراغمته، وإغاظته، وإغاظة أوليائه، والاستعاذة به سبحانه وتعالى من الشيطان، والإلجاء إليه سبحانه أن يُعيذهم من شره وكيده، فيترتب لهم على ذلك من المصالح الدنيوية والأخروية ما لا يمكن أن يحصل لهم بدون خلق الله.
- إن الله تبارك وتعالى جعله عبرة لمن خالف أمره وتكبر على طاعته وأصر على معصيته، كما جعل ذنب أبي البشر آدم عليه السلام عبرة لمن ارتكب نهيه أو عصي أمره ثم تاب وندم ورجع إلى ربه، فابتلى أبوي الجن والإنس بالذنب، وجعل إبليس عبرة لمن أصر، وأقام على الذنب، وجعل آدم عبرة لمن تاب ورجع إلى ربه فلله في هذا من الحكم الباهرة والآيات الظاهر!؟
- إن الله تبارك وتعالى قد جعل إبليس مَحكَّاً يمتحن به خلقه، ليتبين به خبيثهم وطيبهم، والله سبحانه وتعالى لا يبتلي خلقه وعباده ليعلم الخبيث من الطيب، فالله علم الخبيث والطيب أزلاً قبل أن يخلق الخبثاء والطيبين، ولكنه أراد أن يميز الخبيث من الطيب من الناس في الدنيا ويمحص الصف، ويجازي العباد وفق أعمالهم لا بمقتضى علمه فيهم. قال تعالى: "مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ" (آل عمران: 179).
وقال تعالى: "أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ" (آل عمران: 142).
- أن يُظهر الله عز وجل كمال قدرته لخلقه، فالله عز وجل خلق جبريل وجعله رسولاً للأنبياء، فهو أمين وحي السماء الذي به حياة الأرواح، وخلق ميكائيل، وجعله على الأرزاق والأمطار التي بها حياة الأبدان، وخلق إسرافيل ووكله بالصور الذي ينفخ فيه بأمر الله، لتحيا الأبدان مرة أخرى، ففيه حياة الأبدان بعد أماتة الله لها يوم القيامة، وخلق سائر الملائكة، وخلق إبليس والشياطين، وذلك من أعظم آيات قدرته ومشيئته وسلطانه، فإنه خالق الأضداد كالسماء والأرض، والضياء والظلام، والجنة والنار، والماء والنار، والحر والبرد، والطيب والخبيث، والضد إنما يظهر جنسه بضده، فلولا القبيح لم نعرف فضيلة الجميل، ولولا الفقر لم نعرف قدرالغنى، وخلق الله آدم من غير أب ومن غير أم، وخلق حواء من أب دون أم، وخلق عيسى من أم دون أب، وخلق سائر البشر من أب وأم، لنعلم أن الله على كل شئ قدير، إن شاء أن يخلق بغير أب وبغير أم خلق، وإن شاء أن يخلق من أب وأم خلق، فالله سبحانه وتعالى يخلق الأضداد ليظهر كمال قدرته ومشيئته تبارك وتعالى.
- إن الله سبحانه وتعالى يحب أن يشكر بحقيقة الشكر وأنواعه، ولا ريب أن أولياءه نالوا بوجود عدو الله إبليس وجنوده وامتحانهم به من أنواع شكره ما لم يكن يحصل لهم بدونه، فكم بين شكر آدم وهو في الجنة قبل أن يخرج منها، وبين شكره بعد أن ابتلي بعدوه ثم اجتباه ربه وتاب عليه وقبله.
- أن المحبة، والإنابة، والتوكل، والصبر، والرضا إلى غير ذلك من هذه المعاني هي أحب العبودية إلى الله سبحانه وتعالى، وهذه العبودية لا تتحقق إلا بالجهاد بكل ما تحمله الكلمة من معنى هو ذروة سنام العبودية، وأحبها إلى الرب سبحانه، فكان في خلق إبليس وحزبه قيام سوق هذه العبودية وتوابعها التي لا يحصى حكمها وفوائدها وما فيها من المصالح إلا الله، لو لم يخلق الله عز وجل إبليس، فكيف تحقق مرتبة العبودية بجهادك لنفسك ولهواك وللشيطان؟
- أن من أسماء الله: الحكيم، والحكمة من صفاته سبحانه وحكمته تستلزم وضع كل شيء موضعه الذي يليق به، فاقتضت حكمته خلق المتضادات، وتخصيص كل واحد منها بما لا يليق به غيره من الأحكام والصفات والخصائص.
- أن حمده سبحانه تام كامل من جميع الوجوه، فهو محمود على عدله ومنعه وخفضه وانتقامه وإهانته، كما هو محمود على فضله وعطائه ورفعه وإكرامه، فلله الحمد التام الكامل على هذا وهذا، وهو يحمد نفسه على ذلك كله، ويحمده عليه وملائكته ورسله وأولياؤه، ويحمده عليه أهل الموقف جميعهم، فتبارك الله رب العالمين، وأحكم الحاكمين.