الثلاثاء

1446-11-01

|

2025-4-29

"أم القرى" في القرآن الكريم

الحلقة الثانية والثلاثون

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

جمادى الأول 1441ه/يناير 2020م

قال تعالى:" وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ" (الأنعام، آية : 92).
ومعنى الآية أي: " وَهَـذَا" القرآن الذي " أَنزَلْنَاهُ" إليك " مُبَارَكٌ" أي: وصفه بالبركة وذلك لكثرة خيراته وسعة مبراته " مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ" أي موافق للكتب السابقة وشاهدٌ لها بالصدق " وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا" أي وأنزلناه أيضاً لتنذر أم القرى ـ وهي مكة ـ ومن حولها من ديار العرب بل ومن سائر البلدان، فتحذر الناس عقوبة الله وأخذه الأمم وتحذرهم مما يوجب ذلك.
وفي محاولة جادة لتحديد الاتجاهات الدقيقة إلى القبلة، أي الكعبة المشرفة من المدن الرئيسية في العالم باستخدام الحاسوب "الكمبيوتر" ذكر الأستاذ الدكتور حسين كمال الدين رحمه الله الذي شغل درجة الأستاذية لمادة المساحة بكلية الهندسة من عدد من الجامعات والمعاهد العليا مثل جامعة القاهرة، وأسيوط، والرياض، وبغداد، والأزهر الشريف، والمعهد العالي للمساحة بالقاهرة، أنه لاحظ تمركز مكة المكرمة من قلب دائرة تمر بأطراف جميع القارات، أي أن اليابسة على سطح الكرة الأرضية موزعة حول مكة المكرمة توزيعاً منتظماً، وأن المدينة المقدسة تعتبر مركزاً لليابسة وصدق الله العظيم إذ يقول :" وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ" (الشورى، آية : 7).
وقد ثبت علمياً أن القارات السبع التي تكون اليابسة على أرضنا في هذه الأيام كانت في الأصل قارة واحدة ثم تفتت بفعل الصدوع والخسوف الأرضية إلى تلك القارات السبع التي أخذت في التباعد من بعضها البعض ولاتزال تتباعد وبمتابعة جهود الدكتور حسين كمال الدين رحمه الله وجدت أنه في كل الحالات، اليابسة قطعة واحدة، وبعد تفتتها إلى القارات السبع مع قربها من بعضها البعض، وفي كل مراحل زحف هذه القارات ببطء شديد متباعدة عن بعضها البعض حتى وصلت إلى أوضاعها الحالية في كل هذه الحالات كانت مكة المكرمة دائماً في وسط اليابسة.
وتوسط مكة المكرمة لليابسة يفسر دلالة النص القرآني " أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا".
وقد ثبت علمياً ـ أيضاً ـ أن أرضنا في مرحلة من مراحلها الابتدائية كانت مغمورة غمراً كاملاً بالماء ثم فجر الله تعالى ـ قاع هذا المحيط الغامر بثورة بركانية عارمة عن طريق تصدع وخسف هذا القاع وأخذت الثورة البركانية تلقي بحممها فوق قاع هذا المحيط لتبني سلسلة من سلاسل جبال أوساط المحيطات، ومع ارتفاع أعلى قمة في تلك السلسلة فوق مستوى سطح ما من هذا المحيط الغامر تكونت أول مساحة من اليابسة على هيئة جزيرة بركانية تشبه العديد من الجزر البركانية المتكونة في أواسط محيطات اليوم كجزر اليابان، الفلبين، إندونسيا، هاواي، وغيرها.
ويروى عن رسول الله صلى الله عليـه وسلم قـوله: "كانت الكعبة خشعة على المـاء فدحيت منها الأرض"، وهذا الحديث ذكره الهروي في غريب الحديث وذكره الزمخشري في الفائق في غريب الحديث، وذلك لأن مدلوله العلمي سابقاً لزمانه بألف وأربعمائة سنة و"الخشعة" هي الأكمة المتواضعة، فهل يمكن أن تكون أرض الكعبة المشرفة أول جزء من اليابسة ظهر فوق سطح المحيط الذي غمر الأرض في مراحلها الأولى؟ سؤال لم تكتمل الإجابة عليه بعد.
وتتضح ومضة الإعجاز القرآني في قول الحق ـ تبارك وتعالى ـ مخاطباً خاتم أنبيائه ورسله صلى الله عليه وسلم :" وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ" (الأنعام، آية : 92).
فتتضح وسطية أم القرى ليابسة الأرض، ومن هنا يكون المنذَرون هم جميع أهل الأرض بلا استثناء، ويتضح وضع الكعبة المشرفة في وسط الأرض الأولى وهي اليابسة، ودونها ست أرضين، ويحيط بذلك سبع سموات، وفوق الكعبة المشرفة البيت المعمور.

المصادر والمراجع:
* القرآن الكريم

* علي محمد محمد الصلابي، المعجزة الخالدة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم براهين ساطعة وأدلة قاطعة، دار المعرفة، صفحة (145:143).

* زغلول النجار، من آيات الإعجاز العلمي في الأرض، صفحة (570:565).


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022