الأربعاء

1446-11-02

|

2025-4-30

إضاءات على كتاب معاوية بن أبي سفيان (رضي الله عنه)؛ شخصيته وعصره

بقلم: د. علي محمد الصَّلاَّبي

صحيفة #العرب_القطرية

 

تعتبر سيرة الصحابي معاوية بن أبي سفيان (رضي الله عنه) من السير المهمة في التاريخ الإسلامي، وقد اعتبر حكمه مرحلة انتقالية بين عهدين، هما: حكم الخلفاء الراشدين (رضوان الله عليهم)، وحكم بني أمية، وهو مؤسس دولتهم، والتي استمرت قرابة تسعة عقود، وقد أفردت لسيرته، وأحداث عهده كتاباً خاصاً، وهذا الكتاب يعتبر جزء من كتابي "الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار"، وقد سميته معاوية بن أبي سفيان، شخصيته وعصره.

وبدأ هذا الكتاب بالحديث عن الجذور التاريخية للأسرة الأموية، وشهادة التاريخ بين الهاشميين والأمويين، وموقف بني أمية من الدعوة الإسلامية، وعن الأمويين الذين أسلموا منذ بداية الدعوة الإسلامية، وعن المصاهرات بين بني هاشم وبني أمية، وعن شخصية معاوية بن أبي سفيان وعصره (رضي الله عنه)، فيتطرق لاسمه ونسبه وكنيته وأسرته، وعن إسلام أبي سفيان والد معاوية رضي الله عنه، وعن هند بنت عتبة بن ربيعة أم معاوية (رضي الله عنهما)، وعن إخوان وأخوات معاوية، ويتحدث عن زوجات معاوية وأولاده، وعن إسلام معاوية رضي الله عنه، وشيء من فضائله، وعن رواية معاوية لحديث رسول الله ﷺ ، وعن الأحاديث الباطلة التي لا تصح في شأن معاوية مدحاً وذماً.

ويتكلم الكتاب عن دور بني أمية في عهد رسول الله ﷺ، وعهد الخلافة الراشدة، ويشير إلى متى بدأ نجم معاوية في الظهور، وعن ولايته على دمشق وبعلبك والبلقان في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وعلاقته بعمر رضي الله عنهما، ويبين الكتاب جهود معاوية رضي الله عنه على جبهة الشام، وعن سنّ نظام الصوائف والشواتي في عهد عمر، وعن تكوين أسطول إسلامي في البحر، وعن أعمال معاوية في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنهما، فيوضح فتوحاته في عهده، وإصراره في الطلب من عثمان السماح له بالغزو البحري، وعن غزوه لقبرص واستسلام أهلها وطلب الصلح، ثم نقض القبارصة للصلح ثم فتحها.

ويتعرض الكتاب لحقيقة الخلاف بين أبي ذر ومعاوية وموقف عثمان رضي الله عنهم منه، ويرد الكتاب عن الشبهات التي ألصقت بعثمان رضي الله عنه؛ كاتهامه بإعطاء أقاربه من بيت المال، وتعيينه لأقاربه في مناصب الدولة على حساب المسلمين.

ويتطرق الكتاب إلى اختلاف الصحابة في الطريقة التي يأخد بها القصاص من قتلة عثمان، وإلى معركة صفين، وإلى تسلسل الأحداث، ابتداءً من إرسال أم حبيبة أم المؤمنين بنت أبي سفيان لنعمان بن بشير بقميص عثمان إلى معاوية وأهل الشام، ودوافع معاوية رضي الله عنه في عدم بيعة علي رضي الله عنه، ورده على أمير المؤمنين علي، وعن تجهيز أمير المؤمنين علي لغزو الشام، وخروج معاوية إلى صفين، وبداية المناوشات بين الطرفين، والموادعة بينهما، ومحاولات الصلح، ثم نشوب القتال، ثم الدعوة إلى التحكيم.

ووضح الكتاب صفات معاوية (رضي الله عنه)، والتي من أهمها: العلم والفقه، والحلم والعفو، والدهاء والحيلة، وعقليته الفذة وقدرته على الاستيعاب، وتواضعه وورعه، وبكاؤه من خشيت الله، ونقلت ثناء العلماء على معاوية، وأشرت إلى دخول دولة بني أمية في خير القرون، والتي قال فيها رسول الله ﷺ : «خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم»(1).

كما أوضحت حرص معاوية على مباشرة الأمور بنفسه، وتوطيد الأمن في خلافته، فتحدثت عن مجلسه في يومه، وعن الدواوين المركزية التابعة له، كديوان الرسائل، وديوان الخاتم، وديوان البريد وعن نظام الحجابة، والحرس، والشرطة، وعن حسن اختياره للرجال والأعوان، وعن استخدامه للمال في تأكيد ولاء الأعوان، وتأليف القلوب، واتباعه سياسة الشدة واللين، وسياسة المنفعة المتبادلة بين بني أمية ورعيتهم، واتخاذه سياسة إعلامية للإشادة به وبخلافته، وجعل الناس يميلون إليه، وعن اهتمامه بجهاز الاستخبارات، وبناء الجيش الإسلامي وتطويره، وعن فقهه الكبير في سياسة الموازنات بين القبائل، والعشائر، وأعيان المجتمع، وعن سياسته مع الأسرة الأموية. وتكلمت عن حياته في المجتمع، وعن اهتماماته العلمية والتاريخية والشعرية واللغوية والعلوم التجريبية.

وأفردت مباحث في علاقته بالخوارج، ووسائله في تحجيم دورهم وإضعافهم، وبينت النظام المالي في عهده، ومصادر دخل الدولة، كالزكاة، والجزية، والخراج، والعشور، والصوافي، والغنائم، وعن النفقات العامة، كالنفقات العسكرية، والإدارية، والاجتماعية، واهتمامه بالزراعة والتجارة الداخلية والخارجية، والحرف والصناعات، وأثرت قضية الشبهات حول مصارف الأموال في عهد معاوية، وناقشتها بعلم وإنصاف، كالتفرقة في العطاء، وكذبة إعطاء مصر طعمة لعمرو بن العاص، وكالتوسع في إنفاق الأموال لتأليف القلوب واكتساب الأنصار، ومظاهر الترف عند الأمويين.

وأفردت مبحثاً عن القضاء والعدل في عهد معاوية، والدولة الأموية، وصلته بالعهد الراشدي، وتخلي الخلفاء عن ممارسة القضاء وفصل السلطات، ومرتبات القضاة، وتسجيل الأحكام والإشهاد عليها، وأعوان القضاة، كالمنادي والحاجب، والترجمان أو المترجم، والمراقبة والمتابعة، وعن مصادر الأحكام القضائية في العهد الأموي، وعن اختصاص القضاة، وذكرت أسماء أشهر القضاة في عهد معاوية، كما أشرت إلى ميزات القضاء في عهد معاوية والأموي عموماً، وإلى خطاب عمر بن الخطاب إلى معاوية رضي الله عنهما في القضاء.

وتكلمت عن مؤسسة الشرطة في عهد معاوية وواجباتها، كحماية الخليفة وولاة الأمصار ضد مناوئيهم في الداخل، ومعاقبة المذنبين والخارجين عن القانون، وتنفيذ العقوبات الشرعية، وعن قوات ومؤسسات أخرى وعلاقتها بالشرطة وكالحرس والعرفاء، وصاحب الاستخراج أو العذاب، وجهاز الحسبة، ونظام المراقبة، ومؤسسة الدرك.

وتحدثت عن مؤسسة الولاة والإدارة في عهد معاوية رضي الله عنه، وأهم الأقاليم التابعة لدولته، وأسماء أشهر ولاته وأهم أعمالهم في تلك الأقاليم. هذا وقد وصفت حركة الفتوحات في عهد معاوية رضي الله عنه، وقدمت بين يدي حركة الفتوحات مقدمة تناقش الشبهات التي ألصقت كذباً وزوراً وبهتاناً بحركة الفتوحات.

ووصف الكتاب ما قام به معاوية من حركة الجهاد ضد الدولة البيزنطية واهتمامه بفتح القسطنطينية، وتخطيطه الاستراتيجي للاستيلاء عليها، كاهتمامه بدور صناعة السفن في مصر والشام، وتقوية الثغور البحرية بهما، واستيلاؤه على الجزر الواقعة شرقي البحر المتوسط، وتحصينه أطراف الشام الشمالية، وقد قام بحصار القسطنطينية، وقد توفي أبو أيوب الأنصاري في حصار القسطنطينية، وقد ترك أبو أيوب رضي الله عنه في وصيته بأن يدفن في أقصى ما يمكن من أرض العدو، وهذه صورة رائعة تدل على تعلقه بالجهاد، فيكون بين صفوفهم حتى وهو في نعشه على أعناقهم، وأراد أن يتوغَّل في أرض العدو حياً وميتاً، وكأنما لم يكفه ما حقق في حياته فتمنَّى مزيداً عليه بعد مماته، وهذا ما لا غاية بعده في مفهوم المجاهدة الحق بالمعنى الأصح الأدق.

وتحدث الكتاب عن فتوحات معاوية في الشمال الإفريقي، وانطلاق حملة معاوية بن حديج رضي الله عنه في عهده، وبرز اسم عقبة بن نافع في تلك الفتوحات، وقام ببناء مدينة القيروان بتونس اليوم، وكان ذلك في عهد معاوية، وقد أصبحت القيروان مركز الإشعاع الحضاري الإسلامي بالمغرب وعاصمتها العلمية، وسيمضي القارئ مع الفتوحات في الشمال الإفريقي حتى استشهاد عقبة رحمه الله تعالى. وتحدثت في فتوحات معاوية في الجناح الشرقي للدولة الأموية؛ في خراسان وسجستان وما وراء النهر، وعن فتوحات السند في عهده. ولخصت أهم الدروس والعبر والفوائد من الفتوحات،

وقد تكلم الكتاب عن فكرة ولاية العهد في عهد معاوية، والخطوات التي اتبعها معاوية لبيعة يزيد، من مشاورات، وحملات إعلامية، وقبول أهل الشام لبيعة يزيد، وبيعة الوفود، وطلب البيعة من أهل المدينة، واعتراض عبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر وعبد الله بن الزبير والحسين بن علي رضي الله عنهم عن تلك البيعة، وعن أسباب ترشيح معاوية لابنه يزيد، كالحفاظ على وحدة الأمة، وقوة العصبية القبلية، ومحبة معاوية لابنه وقناعته به، وعن الاتنقادات التي وجهت لمعاوية بشأن البيعة ليزيد، وعن الماخذ على فكرة ولاية العهد في عهد معاوية.

وعن الأيام الأخيرة من حياته، وعن دعائه وهو في سكرات الموات، وقوله: اللهم أقل العثرة، واعف عن الزلة، وتجاوز بحلمك عن جهل ما لم يَرْجُ غيرك، فإنك واسع المغفرة، ليس لذي خطيئة مهرب إلا إليك. ثم مات.

كتاب معاوية بن أبي سفيان - شخصيته وعصره- الدولة السـفيانية، متوفر على الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي على الرابط التالي:

http://www.alsalabi.com/salabibooksOnePage/634


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022