الثلاثاء

1446-04-12

|

2024-10-15

القائد الإسلامي صلاح الدين الأيوبي وجهوده في التوحيد والتحرير

دخول صلاح الدين بيت المقدس

 

بقلم: الدكتور علي محمد الصلابي “الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين”

تمَّ الاتفاق بين صلاح الدين، وباليان على تسليم المدينة وفقاً للشروط التي ذكرناها، ودخلها صلاح الدين: يوم الجمعة في 27 رجب 583 هـ وذلك بعد أن أعطى بالباب الأوامر لحاميتها بإلقاء السِّلاح، والاستسلام لجند المسلمين، وكان يوماً مشهوداً ورفعت الأعلام الإسلاميَّة على أسوار المدينة المقدَّسة. وقد استمرَّ حصار صلاح الدين للمدينة اثني عشر يوماً. وبسقوط القدس انهارت أمام صلاح الدين معظم المدن ، والمواقع التي كانت لا تزال تحت سيطرة الصَّليبيين في معظم أنحاء بلاد الشام ، ودخل صلاح الدين القدس في 27 رجب وكانت ليلة الإسراء، فأمر بأن يوضع على كلِّ بابٍ من أبواب المدينة أمير من أمراء الجيش لكي يتسلَّم الفدية من الصليبيين الخارجين من المدينة، ويحتسبها. وكان في المدينة على الضبط ستون ألف رجل ما بين فارس ، وراجل ، سوى من يتبعهم من النِّساء ، والولدان.

ويستطرد ابن الأثير: ولا يعجب السَّامع من ذلك، فإنَّ البلد كبير، واجتمع إليه من تلك النواحي من عسقلان، وغيرها، والداروم، ورملة، وغزة، وغيرها من القرى، بحيث امتلأت الطرق، والكنائس، وكان الإنسان لا يقدر أن يمشي،  وأمَّا صلاح الدين؛ فإنه بعدأن استقرَّ له الحكم في المدينة المقدَّسة؛ أمر بإعادتها إلى ما كانت عليه قبل احتلالها من الصليبيين ، وكان هؤلاء قد أقدموا على تغيير الكثير من المعالم الإسلاميَّة للمدينة ، فزرعوا صليباً كبيراً مذهباً على رأس قبَّة الصخرة ، وأمر صلاح الدين بكشفها ، وكان فرسان الدَّاوية قد بنوا مباني لهم غرب المسجد الأقصى لكي يسكنوها ، وأنشؤوا فيها «هُري ، ومستراح ، وغير ذلك» وأدخلوا قسماً من هذا المسجد في أبنيتهم ، فأمر صلاح الدين بإعادة الأبنية إلى حالها القديم ، كما أمر بتطهير المسجد ، والصخرة من الأقذار، والأنجاس ، ثمَّ عين إماماً للمسجد الأقصى ، وأقام فيه منبراً ، ومحا ما كان فيه وفي الأبنية المجاورة من صور كان الصليبيون قد وضعوها ،أو رسموها ،وأعاد المسيحيين الوطنيين من أهل القدس إلى مساكنهم ، كما سمح لهم بشراء ما أراد الفرنج بيعه من ممتلكات ، ومتاع ، وأموال (حروب القدس في التاريخ الإسلامي، ياسين سويد، ص106).

1 ـ لم يعرف التاريخ فاتحاً أرحم من المسلمين: ووفى صلاح الدين بوعده، فسمح لمن دفع القطيعة بالخروج، وكان قد رتَّب على كل باب أميراً مقدماً كبيراً بحصر الخارجين، فمن دفع الفدية؛ فقد خرج. وبالرَّغم من تلك القطيعة الزهيدة التي فرضها صلاح الدين مقابل خروجهم من بيت المقدس ، وتأمين وصولهم إلى مأمنهم، فإنَّ كثرةً كثيرة منهم لم يستطع دفعه فداءً لنفسه ، وأصبح بعد مضي أربعين يوماً أسيراً في أيدي المسلمين ، ولم يسهم أحدٌ من أغنياء الصَّليبيين من فداء فقرائهم ، فقد خرج البطريرك هرقل من بيت المقدس بخزائنه الضَّخمة دون النظر إلى غيره. ويبدو: أنَّ ذلك كان سبب انعدام الروابط الأسرية، وغيرها بين الصليبيين في ذلك الوقت، فالأسرى كانوا خليطاً من أجناسٍ، وشعوبٍ أوربيَّة متباينة، وأجناد الغرباء المأجورين الذين رغبوا في السَّفر إلى الشرق تخلصاً من رقِّ الأرض السائد وقتذاك في المجتمع الأوروبي (جيش مصر في أيام صلاح، نظير سعداوي، ص69).

والخلاصة: أن ذلك الموقف المخزي من كبار الصَّليبيين، وتلك الشَّهامة، وذلك التسامح من صلاح الدين قد أجبر الكاتب الإنجليزي «لين بول» على إبداء إعجابه بصلاح الدين؛ حيث قال بعد أن تهجَّم على البطريرك: إنَّها كانت فرصةً للملك المسلم أن يعلِّم المسيحيين معنى التسامح. وقد برهن صلاح الدين ، وغيره من أمراء المسلمين عن تلك الشهامة ، والتسامح عندما أصبح الاف المدنيين الصَّليبيين الذين عجزوا عن دفع الفدية المقرَّرة أسرى في يد صلاح الدين ، فطلب الملك العادل إلى أخيه السُّلطان صلاح الدين أن يهب له ألفاً من أولئك الصليبيين الفقراء؛ ليطلق سراحهم لوجه الله ، وأجابه صلاح الدين إلى ذلك ، وحرَّك ذلك العمل الإنساني الذي قام به الملك العادل مشاعر البطريرك ، وباليان فتقدَّما إلى صلاح الدين ، وطلبا منه مثل ذلك ، فأعطاهما صلاح الدين ما طلباه ، وأطلق سراحهم.

ثم تقدم صلاح الدين ، وأمر حراسه بالمناداة في شوارع بيت المقدس ، بأنه سوف يطلق سراح من لم يستطع دفع الفدية من الصليبيين لكبر سنه ، وأنَّ على هذه الطائفة أن تتقدَّم من الباب الخلفي للمدينة ، ويسمح لها بالخروج من طلوع الشمس إلى اللَّيل. وما أن صدر ذلك الإعلان حتى توافد الصَّليبيون على ذلك الباب بأعدادٍ لا تحصى. وطلب أمير البيرة إطلاق سراح زهاء خمسمئة أرمني ، وذكر لصلاح الدِّين: أنهم من بلده ، وأن قدومهم إلى بيت المقدس كان من أجل العبادة هناك ، كما طلب أيضاً الأمير مظفر الدِّين علي كوجك إطلاق سراح زهاء ألف أرمني ادَّعى: أنهم من الرُّها ، فأجابهم صلاح الدين إلى ذلك ، وأطلق سراحهم. ولم يقتصر ذلك التسامح من المسلمين على ما قام به صلاح الدين، وأخوه الملك العادل، وكبار الأمراء المسلمين؛ بل تعدَّى ذلك إلى عامَّة المسلمين (صلاح الدين، علي الصلابي، ص440).

والواقع: أن صلاح الدين قد أبدى من التسامح، وكرم الأخلاق تجاه أسرى الصَّليبيين في بيت المقدس الشيء الكثير، وبلغ من كرم، وشهامة صلاح الدين ما قام به تجاه زوجات، وبنات الفرسان الصَّليبيين؛ الذين قتلوا، وأسروا أثناء معاركهم من صلاح الدين، فقد تجمَّعن أمام صلاح الدين يبكين، فسأل عن حالهنَّ، وما يطلبن، فقيل له إنهنَّ يطلبن الرَّحمة. فعطف عليهن صلاح الدين، وسمح لمن كان زوجها على قيد الحياة بأن تتعرَّف عليه، وأطلق سراحه، وسمح لهم بالذهاب حيث يريدون، أما النساء والبنات اللاتي مات أزواجهن، واباؤهنَّ؛ فقد أمر صلاح الدين بأن يصرف لهنَّ من خزانته الخاصَّة ما يناسب عيشتهن، ومركزهن، وأعطاهنَّ حتى ابتهلت ألسنتهنَّ بالدُّعاء له (صلاح الدين والصليبيون، عبد الله الغامدي، 218).

أ ـ ملكة رومية متعبِّدة: كانت بالقُدس ملكةٌ روميَّةٌ متعبِّدة ، مترهِّبة ، في عبادة الصَّليب متصلِّبةً ، وعلى مُصابها مُتَلَهِّبة ، وفي التمسُّك بملتها متصعِّبةً متعصِّبةً ، أنفاسُها متصاعدة للحزن ، وعبراتها متحدِّرة تَحدُّر القطرات من المزن ، ولها حالٌ ، ومالٌ ، ومتاعٌ ، وأشياء ، وأشياع ، وأتباع ، فعاذت بالسُّلطان ، فأعاذها ، ومنَّ عليها ، وعلى كلِّ مَنْ معها بالإفراج ، وأذن في إخراج كلِّ مالها في الأكياس ، والأخراج ، وأبقى عليها مصوغات صُلبانها الذَّهبية المجوهرة ، ونفائسها ، وكرائم خزائنها ، فخرجت بجميع مالها ، وحالها ، ونسائها ، ورجالها ، وأسفاطها، وأعدالها ، والصَّناديق بأقفالها ، وتبعها من لم يكن من أتباعها ، فراحت فرحى ، وإن كانت من شجنها قَرْحى.

ب ـ زوجة ملك مأسور: خرجت زوجة الملك المأسور «كي»، وهي ابنة أماري، وكانت مقيمةً في جوار القُدْس مع مالَها مِن الخَوَل، والخَدَم، والجواري، فاستأذنت في الإلمام بزوجها، وكان بقيده مقيماً في برْج نابُلُس، مكبلاً به ليوم وَعْدِ تسريحه، فأذن لها، فخلصت هي، ومن تبعها، وأقامت عند زوجها

ج ـ الإبرنساسة أم هنفري: خرجت الإبرنساسة أم هنفري وهي ابنة فليب ، وزوجة الإبرنس الذي سُفك دمه يوم حطِّين، وهي صاحبة الكَرَك ، والشُّوبك ، وهي بنوَّابها محوطة ، وبرأيها منوطة ، فجاءت سائلة في ولدها العاني ، فوُعِدت: أنها إنْ سمحت بحصنها؛ سمح لها بابنها ، ثم أعفيت ، وأُطلقت ، وعُصمت ، واستحضر ابنها هنفري بن هنفري من دمشق إليها ، وأقرَّ برويته عينيها ، وسار معها من الأمراء ، والأمناء من تسلَّم منهم تلك المعاقل ، فمضت إلى حصونها لتسلِّمها ، فمانعها أهلها ، ودافعوها، وردُّوها ذليلةً خائبةً ، فسكنت صور ، واستودعت السُّلطان ابنها المأسور ، ووعدها بإطلاقه إذا تسلَّم تلك الحصون(كتاب الروضتين، أبي شامة المقدسي، م3، ص343، 344).

د ـ احترام صلاح الدين مشاعر المسيحيين: احترم صلاح الدين مشاعر المسيحيين، فعندما ما أشار بعض المسلمين عليه عقب دخوله بيت المقدس بهدم كنيسة القيامة، وإزالة اثارها، وقالوا: إذا هدمت بنايتها، وألحقت بأسافلها أعاليها، ونُبشت المقبرة، وعُفيت، وأخمدت نيرانها، وأطفيت، ومحيت رسومها، ونفيت؛ انقطعت عنها إمداد الزوار، وانحسمت عن قصدها مواد أطماع أهل النار، ومهما استمرَّت العمارة؛ استمرت الزيارة. بينما أشر عليه البعض بأنه: لما فتح أمير المؤمنين عمر ـ رضي الله عنه ـ القدس في صدر الإسلام؛ أقرَّهم على هذا المكان ، ولم يأمرهم بهدم البنيان. فأعرض صلاح الدين بتسامحه عن هدمها.

هـ ـ بقاء بعض النصارى بالقدس: وتضرَّع بعض النصارى إلى صلاح الدين؛ ليسمح لهم بالبقاء داخل بيت المقدس بعد أدائهم الفدية المقرَّرة عليهم، وتعهَّدوا له بألا يزعجوا أحداً، وأن يقوموا بالخدمة بالمدينة، فوافق صلاح الدِّين على ذلك، واشترط عليهم شروطاً قابلوها بالالتزام، والقبول، وأعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون، وعوملوا معاملة أهل الذمَّة، فأصبح لهم ما للمسلمين من الحقوق، وعليهم ما عليهم من الواجبات. (صلاح الدين، الصلابي، ص441).

وهكذا أبدى المسلمون الرحمة نحو المدينة؛ التي سقطت في أيديهم ، وإذا استعاد الإنسان ذكرى دخول الصَّليبيين بيت المقدس سنة 1099 م عندما نشر «جود فري» ، و«تانكرد» الموت في الشوارع ، وعندما أُغرق المدافعون المسلمون، وأُحرقوا ، وأُلقوا في بحار من الدِّماء ، حيث كان الصليبيون يخوضون حتى كعوبهم في دماء القتلى ، فضلاً عمَّا قاموا به من نهبٍ ، وسلبٍ ، وسبيٍ فإنه يدرك الفرق الشاسع بين تسامح صلاح الدين ، ووحشية القادة الصَّليبيين؛ إذ يتَّضح مدى تمسُّك صلاح الدين بمبدأ التسامح ، وأحكام الشريعة الإسلامية السَّمحاء ، وبعده كل البعد عن تحكيم عواطفه ، وأهوائه تجاه الصليبيين؛ الذين لم يمض على ارتكابهم تلك الجريمة الشنعاء قرنٌ من الزمان (أعمال الفرنجة ، ترجمة حسن حبشي ص 118 ـ 120).

يقول «جيمس رستون»: وهكذا سلك جنود صلاح الدين سلوكاً مثالياً في احتلالهم للقدس سنة 1187 م ، وقد نظر صلاح الدين لنفسه ، وسمعته بعدم الانتقام لما فعله الصَّليبيون في الحرب الأولى سنة 1099 م وبسبب حمايته لكنيسة القيامة ، وأماكن مسيحية أخرى كثيرة ، وسيتذكر الجميع تسامحه تجاه أهل الأديان الأخرى ، وتجاه الأماكن المقدَّسة للدِّين المسيحي ، ويبدو: أنَّ أفعاله اعتُبرت عَلَما ، ونموذجاً على كيفية سلوك المسلك الصالح ، فبسبب عفوه، ووجوه الخير ، المتعدِّدة في طبيعته ، وسلوكه تجاه أعدائه سيظلُّ مشهوراً إلى الأبد باللُّطف ، والتَّسامح ، والحكمة (مقاتلون في سبيل الله، رستون، ص 137).

و ـ رأي ستيفن رنسيمان: والفضل ما شهدت به الأعداء. قال ستيفن رنسيمان، وهو من المؤرخين الفرنجة: الواقع: أن المسلمين الظافرين اشتهروا بالاستقامة، والإنسانية، فبينما كان الفرنج ـ ومنذ ثمان وثمانين سنة ـ يخوضون في دماء ضحاياهم، لم تتعرَّض الان دارٌ من الدور للنَّهب، ولم يحلَّ بأحدٍ من الأشخاص مكروه؛ إذ صار رجال الشرطة بناء على أوامر صلاح الدين يطوفون بالشوارع، والأبواب يمنعون كلَّ اعتداءٍ يقع على المسيحيين. ومن المناظر التي تدعو للحزن ، والأسى ما حدث من التفات العادل إلى أخيه صلاح الدين يطلب منه إطلاق سراح ألف أسير ، على سبيل المكافأة على خدماته له، فوهبهم له صلاح الدين، فأطلق العادل سراحهم على الفور،وإذ ابتهج البطريرك هرقل لأن يلتمس هذه الوسيلة الرَّخيصة لفعل الخير ، لم يسعه إلا أن يطلب من صلاح الدين أن يهبه بعض الأرقاء ليعتقهم، فبذل له صلاح الدين سبعمئة أسير ، كما جعل صلاح الدين لـ: «باليان» خمسمئة أسير. ثم أعلن صلاح الدين: أنه سوف يطلق سراح كلِّ شيخٍ، وكل امرأةٍ عجوز ، ولما أقبل نساء الفرنج اللاتي افتدين أنفسهن ، وقد امتلأت عيونهنَّ بالدموع ، فسألن صلاح الدين أين يكون مصيرهن بعد أن لقي أزواجهن ، أو اباؤهن مصرعهم ، أو وقعوا في الأسر؟ فأجاب بأن وعد بإطلاق سراح كلِّ مَنْ في الأسر من أزواجهنَّ ، وبذل للأرامل ، واليتامى من خزانته العطايا كلٌّ بحسب حالته. والواقع أنَّ رحمته، وعطفه كانا على نقيض أفعال الغزاة المسيحيين في الحملة الصَّليبية الأولى (حروب القدس في التاريخ الإسلامي والعربي، سويد، ص 108).

4 ـ وقال غروسيه ما نصُّه بالحرف أيضاً: بعكس الصليبيين نفَّذ صلاح الدين وعوده بشرفٍ، وبشعورٍ إنساني، وبروحٍ فروسية، مما أثار إعجاب المؤرخين اللاتين؛ الذين سردوا أحداث تلك الفترة…. ويستطرد «غروسيه»: طلب بعض المتعصِّبين من صلاح الدين هدم معابد المسيحيين ، وتدمير كنيسة القيامة بهدف إلغاء حجِّ المسيحيين «المؤمنين بالثَّالوث المقدَّس» فصدَّهم عن ذلك بكلمة منه ، قال: لماذا الهدم ، والتدمير، طالما أنَّ هدف عبادتهم هو مكان الصَّليب ، والقبر المقدس ، وليس البناء الخارجي؟ وحتَّى لو سويت الأبنية بالأرض ، فإنَّ مختلف الطوائف المسيحية لن تتخلَّى عن السَّعي للوصول إلى هذا المكان. لنفعل إذاً كما فعل الخليفة عمر الذي احتفظ بهذه الأبنية عندما فتح القدس في السنوات الأولى للإسلام. ويعلِّق غروسيه على ذلك بالقول: إن كلَّ ما يتحلَّى به هذا السلطان العظيم من حرية الرأي ، والمعتقد يبرز في هذه العبارة الجميلة. وصدق الشاعر الحيص بيص شهاب الدين أبو الفوارس المتوفى 574 هـ عندما قال:

ملكنا فكان العفو منا سجيةً

وحَلَّلْتُمُ قتل الأسارى وطالما

وَحسْبُكُمُ هذا التفاوتُ بينا

فلمَّا ملكتم سال بالدَّم أبطحُ

عدونا على الأسرى نَمُنُّ ونصفح

وكلُّ وعاءٍ بالذي فيه يَنْضَحُ

 لقد بَهَر صلاح الدين بأخلاقه الإسلامية ملوكَ الغرب ، وقوَّادهم ، حيث كانوا يقودون جحافل جيوشهم في الشام، حتى أنَّ الفرنسيين كانوا يقولون: إنَّ دماءه دماءٌ فرنسية ، والألمان، والإنكليز ، والإيطاليون كلُّهم كانوا ينسجون قصصاً رائعةً عن أخلاق صلاح الدين ، ويتحدَّثون عنها في قراهم ، ومدنهم ، ومسرحياتهم. لقد كان صلاح الدين فعلاً رجلاً إسلامياً بكلِّ معنى الكلمة مقتدياً بالرَّسول محمد صلى الله عليه وسلم في عفوه ، وحلمه ، وسماحته. ولقد قال عنه أحد المؤرخين الأوروبيين: سيظلُّ في الذاكرة: أنَّ الزمان الدَّمويَّ ، والقاسي مثل ذاك الزَّمان لم يتمكن من إفساد إنسانٍ ذي سلطةٍ عظيمةٍ ، إنَّه صلاح الدين.

وأكبر دليل على تقدير الإفرنج لهذه البطولة النادرة، والسَّماحة السَّمحة اهتمام إمبراطور ألمانيا بزيارة مقبرة صلاح الدين عندما زار بلاد الشام سنة 1315 هـ/1899 م، وكانت معه الإمبراطورة، وقد خطب خطبةً أشاد فيها بصلاح الدين، وأرسلت الإمبراطورة إكليلاً من الزَّهر ليوضع على ضريح البطل العظيم (صلاح الدين، الصلابي، ص433).

ولم ينس أمير الشعراء ـ أحمد شوقي ـ أن يسجِّل هذه الذكرى، فقال:

عظيمُ الناس مَنْ يبكي العظاما

فهل مِنْ مبلغٍ غليوم عنِّي

رعاك الله مِنْ ملكٍ هُمَام

أرى النِّسيان أظمأه فلمَّا

أتدري أيَّ سلطانٍ تحيِّي

دعوتَ أجلَّ أهلِ الأرض حرباً

ويندبُهم ولو كانوا عِظاما

مقالاً مُرضِياً ذاك المقاما

تعهَّد في الثَّرى ملكاً هماما

وقفتَ بقبره كنتَ الغمَاما

وأيَّ مُمَلَّكٍ تهدي السَّلاما

وأشرَفهم إذا سكنوا سلاما

المصادر والمراجع:

1. مقاتلون في سبيل الله، جيمس رستون الابن، نقله إلى العربية رضوان السَّيد، مكتبة العبيكان طبعة 2002م.

2. حروب القدس في التاريخ الإسلامي والعربي، اللواء الركن د. ياسين سويد، دار الملتقى للطباعة والنشر، طبعة عام 1997 م بيروت، لبنان.

3. صلاح الدين والصليبيون استرداد بيت المقدس، عبد الله سعيد محمد الغامدي، دار الفضيلة بيروت، لبنان 1405 هـ 1985م.

4. صلاح الدين، على الصلابي، دار ابن كثير، بيروت، ط1، 2009م.

5. كتاب الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1418 هـ 1997م.

6. جيش مصر في أيام صلاح الدين، نظير سعداوي، مكتبة النهضة، القاهرة، 2016م.

7.أعمال الفرنجة ترجمة حسن حبشي.


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022