في سيرة صلاح الدين الأيوبي:
الدراسات الفقهية في العهد الأيوبي
الحلقة: السادسة والثلاثون
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
ذو القعدة 1441 ه/ يونيو 2020
اهتم الأيوبيون بهذا الفرع من فروع الثقافة السنية اهتماماً كبيراً ، وذلك من خلال المدارس الكثيرة التي أنشأوها ، وجعلوها وقفاً على فقهاء مذهب بعينه ، أو وقفاً مشتركاً بين أكثر من مذهب، كما هو الحال في المدرسة الفاضلية التي أوقفت على الشَّافعية، والمالكية، والمدرسة الظاهرية بحلب التي أوقفت على الشَّافعية ، والحنفية ، وكذلك المدرسة الصالحية بالقاهرة التي وقفها الصالح نجم الدين أيوب على المذاهب الفقهية السنية الأربعة ، إلا أنَّ عناية الأيوبيين بمدارس الشافعية كانت أكثر على اعتبار: أنَّ مذهب الشافعي كان المذهب الرسمي للدولة ، وهو الذي عليه القضاء ويعتنقه جميع الأيوبيين ، لم يشذَّ عنهم في ذلك سوى الملك المعظم عيسى بن العادل الذي كان حنفي المذهب ، واقتدى به بنوه في اتباعه. ويضاف إلى هذا: أنَّ الذين تولوا المناصب الرئيسية في دولة صلاح الدين كانوا من الشافعية ، منهم على سبيل المثال: القاضي الفاضل ، والعماد الأصفهاني ، وبهاء الدين بن شدَّاد ، ويؤكد هذا ما أشرنا إليه من قبل ، وهو أنَّ نور الدين الحنفي المذهب كان معظم رجاله من الشَّافعية ، وكثيرٌ ، منهم تخرَّج من المدارس النظامية ، كالقاضي كمال الشهرزوري ، وابن أبي عصرون، وغيرهما.
هذه هي العناصر الأساسية للثقافة السنية؛ التي حفلت بها المؤسَّسات الفكرية في عصر الأيوبيين. اعتنى الأيوبيون بنشرها ، والتمكين لها ، وبخاصةٍ في مصر ، نتيجة لظروفها التاريخية السابقة؛ حيث كانت المعقل الرئيسي للدَّعوة الشيعية الإسماعيلية ، فقد تركزت عناصر الثقافة السنية حول القران الكريم ، والحديث الشريف ، والدراسات الفقهية السنية ، وأصول العقيدة ، ثم تعدَّت ذلك إلى كلِّ ما يخدم هذه الثقافة من نحوٍ ، وأدب ، وعلوم لغة ، ولم تكن للدراسات العقلية الفلسفية فيها نصيبٌ ، بل إنَّ من كانوا يسعون لتحصيل هذا النوع من الثقافة كانوا يحصلونه على استحياءٍ بسبب استهجان الإشتغال بهذه العلوم من الأوساط العلمية السنية ، وكان المشتغلون بها لا يلقون تقبلاً اجتماعياً ، ومرفوضين من البيئات العلمية السنية؛ التي يحلون بها، والأمثلة على هذا كثيرة منها: أن صلاح الدين كان مبغضاً للفلاسفة ، والمعطلة ، والدهرية. وعلى ما يبدو: أنَّ العداء للعلوم الفلسفية في هذه البيئة كان له سببان:
الأول:
إنَّ هذا الموقف كان ردَّ فعل ضد المذهب الشيعي؛ الذي اعتمد اعتماداً كبيراً على الفلسفة في تكوين عقائده ، وفي الدَّعوة إليها ، ومن ثم أنكرها علماء السنة إيماناً منهم بأنَّ المذهب السني واضحٌ ، بسيطٌ ، يسهل على الناس فهمه، وإدراكه دون حاجة إلى الاستعانة بالفلسفة ، أو المنطق ، كما ذهب إلى ذلك ابن الصَّلاح في فتواه.
الثاني:
أنَّ الفلسفة كانت فقدت بريقها ، ونزلت من عليائها منذ أنْ وجَّه إليها الإمام الغزالي وابل سهامه في كتابه: تهافت الفلاسفة ، وكان تأثير الغزالي ما يزال قوياً مسيطراً على البيئات السُّنية في العصور التي تلت عصره.
يمكنكم تحميل كتاب صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/66.pdf