من أسباب هلاك قوم هود عليه السلام ... الظلم والإجرام
بقلم: د. علي محمد الصلابي
لطالما كان الظلم والإجرام من أخطر العوامل التي أدّت إلى هلاك الأمم السابقة، وينطبق ذلك على قوم عاد الذين بُعث فيهم هود عليه السلام. فقد تجاوزوا حدود العدل، وتمادوا في الشرك والفساد، فاستحقّوا العقاب الإلهي وفق سنن الله في سقوط الحضارات وانهيار المجتمعات الظالمة.
فالظلم من أكبر عوامل سقوط الحضارات، وله مفهوم شامل عريض، يؤدِّي إلى فقدان التوازن في كافّة مجالات الحياة، وعلاقة الإنسان مع نفسه ومع الله ومع غيره، وعن هذا تنبثق ظواهر نفسيّة، واجتماعيّة، واقتصاديّة مَرَضيَّة، وتصوّرات فاسدة عن الوجود كلّه، فيعمّ الفساد الحياة الإنسانيّة بأسرها (1)، وفي ذلك قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾ [هود: 117]. وقال تعالى: ﴿وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ ۚ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ [هود: 102].
وقد وصف الله (عزّ وجلّ) قوم عاد بالظلم في القرآن الكريم مع مجموعة من الأقوام الهالكة:
قال تعالى: ﴿أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ ۚ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ ۖ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [التوبة: 70].
إنّ قوم عاد استفحل فيهم الظلم وأصبح ظاهرة على مستوى المجتمع، وارتكبوه بكلّ أنواعه، واستمروا على ذلك إلى أن نزل بهم العقاب الربّانيّ، قال تعالى: ﴿وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ﴾ [الأنبياء: 11].
وإنّ الإهلاك بسبب الظلم سُنّة من سُنن الله في سقوط الحضارة الإنسانيّة كقوم نوح، وعاد، وثمود، وأصحاب مدين، والمؤتفكات، وإبادة مدنيَّتها المتخلّفة عن نور الوحي، وإزالة سلطان الملأ الذي يُمثّل القيادة السياسيّة، والاجتماعيّة، والفكريّة في تلك الحضارات الفانية من تاريخ البشر.
والإجرام شبيهٌ بالظلم، وهو يعمّ الشرك وغيره من المعاصي، والشرك أبشع أنواع الإجرام وأشنعه، فالمشرك أجرم في حقّ ربّه لأنّه جعل من لا يستحقّ العبادة معبوداً مع من لا يستحقّ العبادة أحد سواه، وأجرم في حقّ نفسه فأذلّها الله لغير الله، وأوردها موارد الردى في الدنيا، وأحلّها دار البوار في الأخرى، وقد ذكر الفيروز آبادي ستّة معانٍ في الجُرم، فجعل الشرك أوّلها، فقال ما نصّه في كلامه على معاني الجرم: "الأوّل: الجرم بمعنى الشرك، والمجرم: المشرك" (2). وقال تعالى في هلاك من هلَك من الأمم الغابرة: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ﴾ [النمل: 69].
فتلك العاقبة السيّئة لم يصيروا إليها إلّا بسبب اتّصافهم بصفة الإجرام، ومن أبشع أنواعه الشرك بالله جلّ وعلا، وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا ۖ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الروم: 47]، فكان الانتقام منهم بسبب إجرامهم في حقّ خالقهم بالشرك، وفي حقّ رسلهم بالتكذيب والمخالفة (3).
وقد وصف الله (عزّ وجلّ) قوم عاد بالإجرام في قوله تعالى: ﴿فَأَصْبَحُوا لَا يُرَىٰ إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ﴾ [الأحقاف: 25] أي: بسبب جرمهم وظلمهم (4).
المصادر والمراجع:
1. سنن القرآن في قيام الحضارات وسقوطها، محمد هيثور، ص23.
2. بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز، الفيروز آبادي، (2/255).
3. أسباب هلاك الأمم السابقة كما وردت في القرآن الكريم، سعيد محمد سيلا، ص114.
4. تفسير السعدي، ص1057.
5. علي محمد الصلابي، نبي الله هود (عليه السلام) وأسباب زوال حضارة قوم عاد، دار ابن كثير.