الإثنين

1446-10-30

|

2025-4-28

من كتاب العدالة والمصالحة الوطنية: ضرورة دينية وإنسانية
(واجبات الخصمين لتحقيق إصلاح ذات البين)
الحلقة: الأولى
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
جمادى الآخرة 1442 ه/ فبراير 2021
 
1ـ دفع السيئة بالتي هي أحسن:
وهي على مراتب:
المرتبة الأولى: دفع السيئة بالحسنة:
قال تعالى:" ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ" (المؤمنون، آية: 96).
قال تعالى:" ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ"
المرتبة الثانية: مقابلة السيئة بالصفع الجميل:
قال تعالى:" فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ" (الحجر، آية: 85).
وقال تعالى:" فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ" (الزخرف، آية: 89).
المرتبة الثالثة: مقابلة السيئة بالصبر الجميل:
قال تعالى:" فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا" (المعارج، آية: 5).
وقال تعالى:" فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ" (الروم، آية : 60).
وقال تعالى:" فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ" (ق، آية: 39).
المرتبة الرابعة: دفع السيئة بالهجر الجميل:
قال تعالى:" وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا" (المزمل، آية : 10).
المرتبة الخامسة: مواجهة السيئة بطلب الصلح:
قال تعالى:" وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ" (النساء، آية : 138).
المرتبة السادسة: دفع السيئة بسيئة مثلها من غير زيادة:
قال تعالى:" وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ" (الشورى، آية : 40).
فمن ألتزم بهذه القواعد فقد سيطر على أخلاقه.
قال تعالى:" وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" (آل عمران ، آية : 134).
 
2ـ الاستجابة لداعي الإصلاح:
على المتنازعين أن يتقوا الله، ويسارعوا إلى إنهاء الخصام ويلبوا داعي الصلح إذا تقدم به الراغبون لإصلاح ما بينهم فلا تأخذهم العزة بالإثم فتمنعوا عن قبول دعوة المصالحة، ويستمروا بالمقاطعة والهجر، فيفوتهم قبول الأعمال وكسب الأجر من الله وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بغض الله تعالى لمن كانت صفته شديد الخصومة واللجاج.
أ ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم.
والألد الشديد اللدد، أي الجدال ومن كانت هذه صفته وطباعه فهو شر على مجتمعه، وخطر على أمنهم، فهو يهدم ولا يبني، عمله الإفساد في الأرض وأما من يستجيب للصلح، ويرغب فيه، ويميل إليه، فهو خير الناس، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم فضله بقوله :"وخيرهما الذي يبدأ بالسلام".
فالذي يبادر إلى إصلاح ذات البين، فهو في ميزان الإسلام من الخيرين، وهذا دليل على طهارة القلب وسموا النفس، وطيب المعدن، فهذه الصفات جعلته يحوز على الفضل بسبب قبول الصلح.
 
3ـ عدم الاستجابة لوسوسة الشيطان في إيقاع النزاع:
إن الشيطان حريص على التحريش بين الناس، وزرع الخصومات والعداوات وتفكيك الأسر، والتفريق بين المتحابين والمتآخين فهو عدو للإنسانية، قال تعالى:" إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ" (فاطر، آية : 6).
فالعاقل من يحرص على وحدة الصفح وتجاوز الآلآم والجروح والمصائب التي وقعت ويحب الخير للجميع، يعفو عن من ظلمه ويعطي من حرمه وهذا ما ينبغي أن يتصف به المسلم، لأن التنازع له مضار عديدة فهو يؤدي إلى الفشل، وتمزق المجتمع وضعف الدولة مما يمكن أعداء الشعب من التدخل في شؤونه، كما أنه مدخل واسع من مداخل الشيطان، يتمكن به من افساد ذات البين ونشر الكراهية بين الناس وإشاعة البغضاء بين أبناء الأسر والأخ وأخيه والإبن وأبيه.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن الشيطان قد آسى أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم.
 
4ـ التنازل عن جزء من بعض حقه:
على الخصم أن يتنازل عن جزء من حقه رغبة في تقريب وجهات النظر، وتأليفاً للخصم الآخر، حتى يقبل الصلح المؤدي إلى تأليف القلوب وتسكين الغضب وتهدئة ثوراته ودليل ذلك ما ورد من مواقف كثيرة في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم حيث تنازل بعض أصحاب الحق عن جزء من حقهم، كموقف كعب بن مالك مع خصمه حين ارتفعت أصواتهما، حتى سمع رسول الله كلامهما وهو في بيته، فخرج إليهما رسول الله صلى الله عله وسلم حتى كشف سجْف حجرته، فنادى كعب بن مالك فقال:" يا كعب" فقال لبيك يا رسول الله فأشار بيده، أن ضع الشطر، فقال كعب: قد فعلت يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" قم فاقض فعندما يتنازل الخصم عن بعض حقه فهو يعمل المعروف.
 
5 ـ الاستعانة بالوسطاء الخيرين:
قد يقع الإنسان في خطأ ثم يأسف عما بدر منه، ويريد المسامحة، فما عليه إلا أن يعتذر إلى من أساء إليه بنفسه، أو بواسطة الآخرين ممن يتوسم فيهم القدرة على الإصلاح، كما حصل لعبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، قال في بيع أو عطاء أعطته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها "والله لتنهين عائشة أو لأحجرن عليها، فقالت: أهو قال هذا؟ قالوا: نعم، قالت: هو والله عليَّ نذر لا أكلم ابن الزبير أبداً، فاستشفع ابن الزبير إليها حين طالت الهجرة، فقالت: لا والله، لا أشفع فيه أبداً، ولا أحنث إلى نذره، فلما طال ذلك على ابن الزبير كلم المسور بن مخرمة، وعبد الرحمن بن الأسود بن يغوث وقال لهما: أنشدكما بالله لما أدخلتماني على عائشة فإنها لا يحل لها أن تنذر قطيعتي، فأقبل به المسور وعبد الرحمن مشتملين بأرديتهما حتى استأذنا على عائشة، فقالا: السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، أندخل؟ قالوا: كلنا؟ قالت: نعم أدخلوا كلكم ولا تعلم أن معهما ابن الزبير، فلما دخلوا دخل ابن الزبير الحجاب فاعتنق عائشة وطفق يناشدها ويبكي، وطفق المسور وعبد الرحمن يناشدانها ألا كلمته، وقبلت منه، ويقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عما قد عملت من الهجر، فإنه لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، ولما أكثروا على عائشة من التذكير والتحريج، طفقت تذكرهما وتبكي وتقول: إني نذرت والنذر شديد، فلم يزالا بها حتى كلمت ابن الزبير، واعتقت في نذرها ذلك أربعين رقبة، وكانت تذكر نذرها بعد ذلك فتبكي حتى تبل دموعها خمارها.
 
6 ـ الرضى بالحكم بعد صدوره:
عندما يختار المتخاصمان من يصلح بينهما يكون ذلك على أساس الثقة بالصلح، وأنه قادر على معرفة القضية وإصدار الحل المناسب المرضي للطرفين، وأنه نزيه وعادل، وغير مجامل، وأنه سيصدر عنه الصلح بما يوافق الحق والصواب.
والغرض من هذا هو فض النزاع وإيصال المظلوم إلى حقه، أو بعض حقه، ودفع إثم الظلم عن الظالم، ودليل ذلك حادثة الزبير رضي الله عنه وأخيه الأنصاري الذي خاصمه في شراج ذي الحرة، فاحتكما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يسلك بهما مسلك الصلح، فقال للزبير: أسق يا زبير، ثم أرسل إلى جارك، فالرسول صلى الله عليه وسلم أصدر الحكم على أساس أنه صلح، والصلح هو تنازل عن جزء من الحق بغرض إنهاء الخصام، ولكن الأنصاري لم يرض بهذا الصلح الصادر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال مقالته التي أغضبت رسول الله صلى الله عليه وسلم، مما جعله يصدر الحكم قضاءً وحكماً: "أسق ثم أحبس حتى يبلغ الجدر"، فقد استوعى للزبير حقه في صريح الحكم، وهذه الواجبات التي ذكرناها من أهم الأمور التي تحقق إصلاح ذات البين وتعين على إنهاء الخصام وإحلال المودة والوئام بين أفراد المجتمع.
 
يمكنكم تحميل كتاب العدالة والمصالحة الوطنية: ضرورة دينية وإنسانية من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي:
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:

 


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022