من كتاب العدالة والمصالحة الوطنية: ضرورة دينية وإنسانية
(صفات المصلح القائم بإصلاح ذات البين)
الحلقة: 7
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
رجب 1442 ه/ فبراير 2021
أ ـ الإخلاص: على الساعي لإصلاح ذات البين أن يجعل عمله خالصاً لله ـ سبحانه وتعالى ـ مبتغياً من الله الأجر والموثبة، قال الله تعالى:" وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا" (النساء ، آية : 114).
فلا يقصد بعمله شكراً من أحد ولا تحصيل جاه، أو شهرة، أو سمعة، فإن المصلح إنما يكون مقبولاً عند المتخاصمين إذا شعروا بإخلاصه لله ـ سبحانه وتعالى ـ في سعيه لإصلاح ذات البين وكذلك إخلاصه في حل القضية وإيصال الخصوم إلى حلّ مرضٍ ولابد أن يستشعر المصلح قول الرسول صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً، وابتغى به وجهه.
ب ـ الصبر: قال تعالى:" إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ" (الزمر، آية : 10).
وقد أعلن الله ـ سبحانه وتعالى ـ حبه للصابرين، بقوله " وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ" (آل عمران، آية : 10).
وهكذا نجد أن منزلة الصبر منزلة عالية لا ينالها إلا المتقون الصادقون، فالصبر سمة من سمات المؤمنين وصفة من صفاتهم اللازمة لهم.
ج ـ الحكمة: والحكمة إصابة الحق بالعلم والعقل، ولا يسمى الرجل حكيماً إلا إذا جمع بين العلم والعمل به، وقيل: الحكمة وضع كل شيء في موضعه وقيل سرعان الجواب مع الإصابة، فالمصلح الحكيم هو الذي ينظر في القضايا المعروضة عليه ببصيرة ثاقبة ويوفق بين الآراء ويقرب بين الأطراف ويتريث ويتأنى، فلا يعجل في اصدار الأحكام والحكمة تقوم على ثلاثة أركان هي: العلم والحلم والأناة، وآفاتها وأضدادها ومعاول هدمها: الجهل والطيش، والعجلة، فلا حكمة لجاهل، ولا طائش ولا عجول، فالمصلح لابد أن يتمتع بسعة الصدر، والقدرة على احتواء المواقف وحسن الاستماع إلى المتخاصمين، والتمكن من تهدئة المواقف، ليصل المصلح إلى اطفاء جذوة الخلاف وإزالة أسباب الخصومة وإجلال المصافاة والمسالمة كما ينبغي على المصلح أن يكون له معرفة في الدين والفقه في التأويل وسجية تعينه على الفهم.
ح ـ الصدق: قال تعالى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ" (التوبة، آية : 119).
القائم على إصلاح ذات البين لابد أن يتصف بهذه الصفة حتى يقبل قوله ويكون أهلاً لثقة الناس بهم، ويحصل الصلح بواسطته وعل المصلحين أن يفهموا أن ما يصدر منهم من حلول لقضايا الناس لا يقبل ولا يستقر في القلوب إلا إذا كان المصلح خالصاً في نيته، صادقاً في لهجته، ولا يراعي إلا الله في عمله، فإن صدق المصلح في الإصلاح، جعل الله على يديه الوفاق والاتفاق وإنهاء الخصام، فالمصلح عندما يبتغي بصلحه رضي الله ثم رضي الخصمين، فهذا أجلّ الصلح وأحقه، وهو يعتمد على العلم والعدل فيكون المصلح عالماً بالوقائع، عارفاً بالواجب قاصداً للعدل، فدرجة هذا أفضل من درجة الصائم القائم.
س ـ المبادرة: لابد لأهل الخير والصلاح أن يبادروا لإنهاء الخصومات والعداوات التي تحصل بين أفراد المجتمع حتى يكون متماسكاً بعيداً عن الخلافات والنزاعات. قال تعالى:" وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ" (الأنفال، آية : 46).
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أول المبادرين لأنهاء الخصومات بين أصحابه، فها هو يأمر أصحابه بقوله :"أذهبوا بنا نصلح بينهم".
وذكر ابن القيم عن عبد الله بن حبيب ابن أبي ثابت، قال: كنت جالساً مع محمد بن كعب القرظي، فأتاه رجل فقال محمد بن كعب: أصبت لك مثل أجر المجاهدين، ثم قرأ :" لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ" (النساء، آية : 114).
ش ـ التواضع: على القائمين بإصلاح ذات البين أن يتصفوا بصفة التواضع، وخفض الجناح، ولين الجانب مع المتخاصمين ومع كل من له علاقة بالقضية المعروضة عليه، فكما أنه يجب أن يكون قوياً في غير عنف، يجب أن يكون متواضعاً في غير ضعف ليكسب القلوب، فيسعى الجميع لقبول قوله وحكمه، قال تعالى:" وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ" (الحجر، آية : 88).
ويقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: إن الله أوحى إلي أن تواضعوا، حتى لا يفخر أحد ولا يبغى أحد على أحد، وقد كان الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم مثالاً للتواضع، واخفض الجناح، ولين الجانب وسماحة النفس، حتى أن الجارية لتأخذ بيده فتنطلق به حيث شاءت، فعن أنس رضي الله عنه قال: إن كانت الأمة من إماء أهل المدينة لتأخذ بيد النبي صلى الله عليه وسلم فتنطلق به، هكذا، كان التواضع متجسداً في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم، وهكذا يجب أن يكون في قادة الأمة والمصلحين، بل وفي كل فرد مسلم.
ع ـ الجود والكرم: اشتهر عن العرب بذلهم المال لإصلاح ذات البين فهذا هرم بن سنان والحارث بن عوف سيد بني مرة اللذان حقنا دماء قبيلتي عبس وذبيان بعد حرب طويلة، إذ يتحملا ديات القتلى، ويقال إنها كانت ثلاثة الآف بعير وقد جاء الإسلام فاقر تلك المحامد والخصال الكريمة والأفعال النبيلة فشرع في مصارف الزكاة حقاً لقضاء المغارم التي دفعت للخصومات والمنازعات وإنهاء القتل والاقتتال.
يمكنكم تحميل كتاب العدالة والمصالحة الوطنية: ضرورة دينية وإنسانية من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/Book159.pdf
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي: