الإثنين

1446-10-30

|

2025-4-28

من كتاب العدالة والمصالحة الوطنية: ضرورة دينية وإنسانية
(مواصفات علمية وعقلية للقائم بإصلاح ذات البين)
الحلقة: 8
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
رجب 1442 ه/ فبراير 2021
 
1ـ العلم:
العلم من أعظم الصفات التي ينبغي أن يتصف بها المصلح وأن يؤهل نفسه به والمقصود بالعلم هنا هو علم الشريعة التي أنزلها الله سبحانه وتعالى لأقامة العدل والكف عن الظلم، والساعي لإصلاح ذات البين ينبغي أن يكون لديه علم بالشريعة، وإلا دخل تحت الوعيد المذكور في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث ابن بريدة عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: القضاة ثلاثة، أثنان في النار وواحد في الجنة، رجل علم الحق فقضى به فهو في الجنة، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار، ورجل جار في الحكم فهو في النار.
2ـ العدل:
العدل صفة ربانية كتبها الله على نفسه وأوجبها على عباده بقوله تعالى:" إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ" (النساء، آية : 58).
فكل مسالة خرجت عن العدل إلى الجور ليست من الشريعة.
فالمصلح حتى يوفق في إزالة الشقاق وإحلال الوفاق، لابد أن يعدل بين المتخاصمين ويصلح بينهما بالعدل، قال تعالى:" فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" (الحجرات، آية : 9).
والإصلاح هنا بإزالة آثار القتل بعد اندفاعه من ضمان المتلفات وهو حكم فقال:" بِالْعَدْلِ" فكأنه قال: واحكموا بينهما بعد تركهما القتال بالحق وأصلحوا بالعدل مما يكون بينهما.
والغرض من إصلاح ذات البين إيصال العدل والذي رغب فيه الرسول صلى الله عليه وسلم وبين فضيلته بقوله:" كل يوم تطلع فيه الشمس يعدل بين الناس صدقة".
يقول ابن القيم: الصلح الجائز بين المسلمين هو الذي يعتمد فيه رضى الله سبحانه وتعالى ورضى الخصمين، فهذا أعدل الصلح وأحقه وهو يعتمد على العلم والعدل فيكون المصلح عالماً بالواقع، عارفاً بالواجب قاصداً العدل فدرجة هذا أفضل من درجة الصائم القائم.
3 ـ رجاحة العقل:
بالعقل يعرف الإنسان حقائق الأمور، ويفصل بين الحسنات والسيئات، ومن خلال العقل تزداد المعرفة وتتضح الفكرة ويبين الحق، فالعقل ينمو إن استعمل وينقص إن اهمل، فالمصلح يعمل في العادة عقله وفكره لاستنباط الحلول المناسبة المرضية للخصمين، والله يدعونا للتدبر والتفكر والتأمل، قال تعالى:" كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ" (ص، آية : 29). وليتعظ بالقرآن أولوا العقول، وأولوا الالباب أصحاب العقول الراجحة الذين يدركون الأمور على حقيقتها ويعرفون العواقب جراء إهمال إصلاح ذات البين، فعليهم أن يقوموا بإصلاح ذات البين على أكمل وجه، فهذا واجب العقلاء من الناس ومسؤوليتهم على إنجاح حل القضايا وإنهاء الخصومات بأسرع وقت ممكن وقد اهتمت الشريعة الإسلامية بعقل الإنسان أيما اهتمام وأعطته قدراً وافراً من الرعاية وأحاطته بما يوفر له القيام بوظائفه.
4ـ القدرة على التركيز:
لابد للمصلح أن يكون قوي الذاكرة يتذكر المواقف المختلفة بين الخصوم ويذكر اسماء المتخاصمين، ونوع قضاياهم ، وأن يكون ملماً بكل قضية ، يعرف أطراف النزاع ومحل النزاع ، ونوع النزاع ، حتى تكون الصورة واضحة للقضية التي تطرح عليه فهو يعرف أسبابها وكيف حصلت، ولديه جميع المعلومات حتى يتمكن من الحلول.
5ـ التميّز:
كلما كان المصلح صاحب مكانة عالية وقيادة متميزة، وشخصية متكاملة وشجاعة قوية، وحلم وعلم، أو سن يكرم لأجله أو قرابة حميمة من المتخاصمين، فإن ذلك أدعى لقبول المتخاصمين لعرض مشكلتهم عليه ليقوم بحلها ورضاهم لحكمه والنزول عند قوله والالتزام بقضائه ، وعن هاني بن يزيد بن نهيك رضي الله عنه قال: إنه لما وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قومه سمعهم وهم يكنونه بأبي الحكم، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: إن الله هو الحكم، وإليه الحكم فلم تكنى أبا الحكم؟ فقال : إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم، فرضي كلا الفريقين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أحسن هذا؟ فمالك من الولد، قال لي شريح وعبد الله، قال: فمن أكبرهم؟ قال: شريح، قال: فأنت أبو شريح، فقد أعجب الرسول صلى الله عليه وسلم بفعله هذا واستحسنه.
 
يمكنكم تحميل كتاب العدالة والمصالحة الوطنية: ضرورة دينية وإنسانية من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي:
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022