الأحد

1446-10-22

|

2025-4-20

(التحليل السياسي للأحداث في سقيفة بني ساعدة)

الحلقة: 12

بقلم: د. علي محمد الصلابي

ربيع الآخر 1443 ه/ نوفبر 2021

1 الأنصار يعتقدون أنهم أحق بالخلافة من غيرهم:

وهذه القناعة لم تنشأ من فراغ، ولم تكن رغبة دنيوية في الحكم، بل كان لها أسبابها، فالأنصار كفئة أساسية ومؤسسة من فئات المجتمع الإسلامي، كانوا يرون في أنفسهم أنهم مؤهلون لهذا الأمر، وكانت الدوافع خوفهم وحرصهم على الدولة الإسلامية من التفرق والتنازع، فهم يرون أنهم الأجدر لمجموعة من الأسباب، من أهمها:

أ ـ أنهم هم وليس غيرهم من مدحهم الله بقوله تعالى: َ {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ *} [الحشر:9].

فالآية تنصف الأنصار بمجموعة من المزايا، وهي:

-الإيمان.

-تؤكد صدق حبهم للمهاجرين.

-صفاء ونقاء قلوبهم (سلامة فطرتهم).

-إيثارهم مما في أيديهم لإخوانهم المهاجرين.

-أنهم مفلحون من جراء أعمالهم هذه، فهي شهادة لهم لا تقدر بثمن.

ب ـ تأييدهم لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم منذ بداية الأمر، وأنَّ قادتهم ونقباءهم هم بايعوه أول مرة عند الصفا وفي بيعتي العقبة، وتضحياتهم التي لا تعد ولا تحصى من أجل الإسلام، كما أنهم كانوا أساس الإسلام ومادته، ولقد كانوا هم الأكثرية في بادأئ الأمر ؛ لأن المهاجرين كانوا قلة، وقد سلموا بلدهم وأرضهم لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وجعلوا أنفسهم وأولادهم وأموالهم وإمكاناتهم تحت تصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ج ـ مديح رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم بشكل خاص، وفي أكثر من مناسبة، ووصيته صلى الله عليه وسلم بهم، ومن ذلك:

• قوله صلى الله عليه وسلم: «لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار، ولو سلك الناس وادياً وشعباً لسلكت وادي الأنصار وشعبها، الأنصار شعار والناس دثار».

• وصيته صلى الله عليه وسلم بهم بقوله: «أوصيكم بالأنصار فإنهم كرشي وعيبتي، وقد قضوا الذي عليهم، وبقي الذي لهم، فاقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم».

• ربطه صلى الله عليه وسلم حبَّ الأنصار بإيمان الإنسان بقوله: «الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق، فمن أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله».

• وفي حديث اخر قال رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم: «اية الإيمان حب الأنصار، واية النفاق بغض الأنصار».

• اختصاصهم بدعوته صلى الله عليه وسلم لجمع الأنصار، وأبنائهم، وذرياتهم، بقوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار.

• قوله صلى الله عليه وسلم لهم يوم فتح مكة: «أنا محمد عبد الله ورسوله، هاجرت إلى الله وإليكم، فالمحيا محياكم والممات مماتكم».

• تزكية رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم لهم في جانب نخوتهم، وشهامتهم، وأمانتهم، فعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حقهم: «ما ضر امرأة نزلت بين بيتين من الأنصار، أو نزلت بين أبويها».

د ـ بنى رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم عاصمة دولته على أرضهم، وانطلق منها لبقاع الأرض، واختارهم على قومه، فهو صلى الله عليه وسلم لم يبقَ في مكة يوم فتحها، بل رجع مع الأنصار إلى مدينتهم كأنه واحد منهم، وهذا الأمر كان وفاءً لهم بما سبق له صلى الله عليه وسلم أن واعدهم في لقاءاته الأولى بهم، وتحديداً يوم بيعة العقبة الكبرى، حين قال لهم صلى الله عليه وسلم: «الدم الدم، والهدم الهدم».

هـ كانوا أبعد الناس عن الامتيازات والمغانم طيلة فترة حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يكن يميزهم بشيء دون الناس، بل على العكس من ذلك، فلربما فضل رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم الاخرين عليهم أحياناً، وقصة غزوة حنين ما زالت في الأذهان يوم أعطى للمؤلفة قلوبهم ما أعطى صلى الله عليه وسلم؛ وقال للأنصار: «أولا ترضون أن يرجع الناس بالغنائم إلى بيوتهم، وترجعون برسول الله إلى بيوتكم؟!

و ـ خبرتهم وحنكتهم في أمر السياسة التي اكتسبوها من جراء ملازمتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم طيلة فترة بناء الدولة الإسلامية، فقد كانوا معه خطوة بخطوة لم يفارقوه أبداً.

ز ـ تخصصهم بحمل القرآن الكريم الذي هو الركن الأساسي في دستور المسلمين، فلقد كان بعض من رجالهم هم من يحفظونه في صدورهم.

فقد اشتهر من الأنصار كل من: أبيّ، ومعاذ بن جبل، وأبي زيد، وزيد بن ثابت.

2 ـ خطر الانشقاقات السياسية على كيان الدولة:

لما علم المهاجرون باجتماع الأنصار في سقيفة بني ساعدة، شعروا بخطر داهم يمكن أن يشق عصا مواطني الدولة، ويشتت جهودهم، ويمزق وحدتهم، ويهدد كيان دولتهم، وكان بإمكان المهاجرين عقد مؤتمر خاص بهم، والبحث في الموضوع وحدهم، ولكن من حنكتهم السياسية، ورجاحة عقولهم، وفطنتهم، وحكمة أبي بكر وعمر وأبي عبيدة رضي الله عنهم، حرصوا على الحضور مع إخوانهم لمواجهة الأمر بالعقل والتدبير الحسن، وهذا هو الحل المناسب للموضوع، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: قلت لأبي بكر: انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار. ولما اقترح على المهاجرين تجاوز الأنصار قال عمر رضي الله عنه: والله لنأتينهم؛ لأن مصلحة الأمة والدولة فوق كل مصلحة، ولابد من الشورى.

لقد تعامل قادة المهاجرين مع الأمر الواقع بغاية الذكاء والدهاء السياسي، ودفعوا المخاطر المحتملة، وناقشوا وحاوروا الأنصار، ووصلوا إلى نتيجة تمّ الإجماع عليها، وهي اختيار أبي بكر الصديق رئيساً للدولة.

ولو لم يحضروا لحدث واحد من الأمرين كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:«خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلاً منهم بعدنا:

- فإما بايعناهم على ما نرضى.

- وإمّا نخالفهم فيكون فساد.

يمكنكم تحميل كتاب التداول على السلطة التنفيذية من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي

http://alsallabi.com/uploads/file/doc/16.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022