(مجهودات معاوية رضي الله عنه في طلب البيعة لابنه يزيد)
الحلقة: 48
بقلم: د. علي محمد الصلابي
جمادى الآخرة 1443 ه/ يناير 2022م
1 ـ الحملات الإعلامية:
ومن التمهيدات الإعلامية الناجحة التي قدمها معاوية رضي الله عنه لابنه توليته أميراً على الجيش الذي وجهه إلى غزو القسطنطينية، وبعد أن رجع من الغزو ولاه إمارة الحج، ولكنه كان يتخوف من نفرة الناس، ويتهيب من بعض المعارضين، وذلك كان يواصل إعداد العدة للأمر، ويستشير ولاته ورجال دولته، ويستعين بهم في تذليل العقبات وتهيئة الأجواء لأخذ البيعة ليزيد، ومما يذكر في هذا الجانب، أن الشاعر ربيعة بن عامر الدارمي المعروف بـ «مسكين الدارمي» وكان مما يؤثره يزيد ويصله، أنشد في مجلس معاوية، وكان المجلس حافلاً، ويحضره وجوه بني أمية فقال:
ألا ليت شعري ما يقول ابنُ عامر ومروان أم ماذا يقول سعيد
بني خلفـــــــاء الله مـــــــهلاً فإنَّما يُبؤئُها الرحــــــمن حيث يريد
إذا المنبر الغربيُّ خـــــــــلاَّه ربه فإن أمير المؤمنيـــــن يزيـــــــد
فقال معاوية: ننظر فيما قلت يا مسكين، ونستخير الله، ولم يتكلم أحد من بني أمية إلا بالإقرار والموافقة.
2 ـ قبول أهل الشام لبيعة يزيد:
أدرك معاوية حرص أهل الشام على بقاء الخلافة فيهم، فقد حسم أهل الشام أمره،م وأصبح خيارهم في ولاية العهد ليزيد، ووجدوا فيه ضالتهم لاستمرار صدارتهم في الدولة الإسلامية، ولم يكن أهل الشام يستغربون فكرة توريث الخلافة كما كان يستغربها أهل الحجاز، فقد عهدوها من قبل إبان حكم البيزنطيين لهم، بل إن بعض أهل العراق كانوا فيما يبدو مهيئين لتقبل فكرة توريث الخلافة، ولكن من منظور خاص، حيث يرون أحقية أهل البيت بها، واستمرارها فيهم، وقد تأثروا في ذلك بنظام الحكم الساساني للفرس قبل الفتح الإسلامي لهذه البلاد.
إن أهل الشام استجابوا لرغبة معاوية في تولية يزيد ولياً لعهده من بعده، وكان ذلك بعد رجوع يزيد من غزوة القسطنطينية، وقد أدى طرح هذه الفكرة إلى قبول بإجماع من أهل الشام بالموافقة على بيعة يزيد، ولم يكن هناك أي معارض.
وقد أسهم أهل الشام فيما بعد في أخذ البيعة ليزيد من الأمصار الأخرى مثل الحجاز.
3 ـ بيعة الوفــود:
عقد معاوية رضي الله عنه اجتماعاً موسعاً في دمشق بعد ما جاءت الوفود من الأقاليم، وكانت هذه الوفود تضم مختلف رجالات القبائل العربية، فمثلاً من بلاد الشام: الضحاك بن قيس الفهري، ثور بن معن السلمي، عبد الله بن عضاة الأشعري، عبد الله بن مسعد الفزاري، عبد الرحمن بن عثمان الثقفي، حسان بن مالك بحدل الكلبي، وغيرهم، كما حضر من أهل المدينة: عمرو بن حزم الأنصاري ـ وذلك في وقت متأخر ـ وحضر عن أهل البصرة: الأحنف بن قيس التميمي، ثم تكلم كل زعيم من هؤلاء الزعماء ورحبوا بالفكرة، وأثنوا عليها، وأكدوا أن هذه هي الطريقة الأصوب لحقن الدماء، والحفاظ على الألفة والجماعة.
فحصلت المبايعة ليزيد بولاية العهد على أن الشيء المؤكد أن عمرو بن حزم الأنصاري لم يحضر هذا الاجتماع، وذلك لأحد أمرين:
الأمر الأول: هو أن أهل المدينة لم يوافقوا في الأصل على البيعة، وعارضوها بشدة، فلم يرسلوا في موعد الوفود أحد.
الأمر الثاني: هو أن معاوية قد رفض الالتقاء بعمرو بن حزم، وما ذاك إلا لأنه بلغه معارضة أهل المدينة، وعرف أن عمرو بن حزم مندوب عن أولئك المعارضين، فخشي إن حضر الاجتماع سوف يشتت الاراء، ويحدث بلبلة من خلال معارضته، ولهذا استجاب له أخيراً، فالتقى به على انفراد، وحصل بالفعل ما كان يظن معاوية، ولكن معاوية تقبل الانتقاد وأجزل له العطاء. وكان ذلك بعدما عزل رأي ابن حزم على الوفود.
يمكنكم تحميل كتاب التداول على السلطة التنفيذية من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي