(أسباب ترشيح معاوية رضي الله عنه لابنه يزيد)
الحلقة: 50
بقلم: د. علي محمد الصلابي
جمادى الآخرة 1443 ه/ يناير 2022م
أ ـ الحفاظ على وحدة الأمة:
نظر معاوية إلى ابنه يزيد على أنه المرشح الذي سيحظى بتأييد أهل الشام الذين يمثلون العامل الأقوى في استقرار الدولة، وقد أبرز معاوية رضي الله عنه السبب الذي دعاه لاختيار ابنه يزيد، وذلك أثناء جمع التأييد له من كبار أبناء الصحابة أثناء رحلته الأخيرة للحج، إذ كان الدافع لمعاوية رضي الله عنه عندما سارع في أخذ البيعة ليزيد هو خوفه من الاختلاف ؛ الذي قد يطرأ على الأمة بعد موته، وربما تنخرط في قتال جديد لا يعلم سعته ومداه إلا الله عز وجل. فكان معاوية يخشى أن يترك أمة محمد كالضأن لا راعي لها، ولذلك عمل على اختيار من يخلفه، وكان الأولى بمعاوية أن يعين من أفاضل المجتمع الإسلامي رجالاً يجعلهم موضع شــــورى يختاروا من كان أهلاً للخــلافة، ويستبعد ترشيح ابنه يزيد ؛ لأن في اختيار يزيد لم يكن أماناً من الاختلاف القتال وسفك الدماء، لقد وقع المحظور بعد وفاة معاوية، وسفكت الدماء، ولم يفد اختيار معاوية يزيد ما تعلل به من المخاوف، ويبدوا أنه وقع بسبب شخصية يزيد، واتباع الورثة بديلا ن الشوري في اختيار الخليفة ولأسبا أخري.
وعلي كل حال فمعاوية اجتهد، ولم يكم مصيبا في تولية يزي لولاية العهد، فقد كان بوسعه وقدراته السياسية الفائقة أن يطمئن في حياته علي اجتماع كلمة المسلمين في أمر الخلافة من بعده باختيار واحد من السلمين يشهد له الناس بحسن السيرة أكثر من يزيد ابنه، ويجتمع عليه أعيان المجتمع الإسلامي في الشام والعراق وبلاد الحجاز وغيرها.
ب- قوة العصبية القبلية:
خاض معاوية الحرب، وتولي الخلافة بنصرة من أهل الشام، وكانوا من أشد الناس طاعة ومحبة لبني أمية، ومن الدلائل علي تلك الطاعة والمحبة هو، أن معاوية رضي الله عنه لما عرض خلافة يزيد بن معاوية علي أهل الشام وافقوا موافقة جماعية، ولم يتخلف منهم أحد، وبايعوا ليزيد بولاية العهد من بعد أبيه.
ومن الدلائل علي قوة العصبية في بلاد الشام لبني أمية، أن مروان بن الحكم تمكن من الانتصار بأهل الشام علي عمال عبدالله بن الزبير، ثم تبعه بعد ذلك ابنه عبد الملك بن مروان، حتي تمكن من الانتصار بأهل الشام علي ابن الزبير وقتله(73ه)، ومع ذلك لم نجد أهل الشام انقادوا لابن الزبير، بل إن أهل العراق غدروا بأخيه مصعب بن الزبير، ومالوا مع عبدالملك بن مروان، فلماذا لم تجتمع الأمة علي ابن الزبير، وهو في ذلك الحين لا يشاركه أحد في فضائله ومكانته ؟ بل نجد العكس، نجد أن عبد الملك بن مروان الذي يعتبر في السن كأحد أبناء عبدالله بن الزبير تمكن من تولي زعامة المسلمين.
فعصبية أهل الشام كانت سبباً مهماً في تولية يزيد، وليست عصبية بني أمية، فإن أسرة بني أمية لم تكن ذات تأثير كبير على الأحداث في مجيء معاوية رضي الله عنه إلى منصب الخلافة، وقد بنى ابن خلدون دفاعه عن صنيع معاوية في ولاية العهد أن المصلحة تقتضي ذلك، حيث قال: والذي دعا معاوية لإيثار ابنه يزيد بالعهد دون سواه إنما هو مراعاة المصلحة في اجتماع الناس، واتفاق أهوائهم باتفاق أهل الحل والعقد حينئذ من بني أمية، إذ بنو أمية يومئذ لا يرضون سواهم، وهم عصبة قريش، وأهل الملة أجمع، وأهل الغلب منهم، فاثره بذلك دون غيره ممن يظن أنه أولى بها، وعدل عن الفاضل إلى المفضول حرصاً على الاتفاق واجتماع الأهواء الذي شأنه أهم عند الشارع، وإن كان لا يظن بمعاوية غير هذا فعدالته وصحبته مانعة سوى ذلك، وحضور أكابر الصحابة لذلك وسكوتهم عنه دليل على انتفاء الريب فيه، فليسوا ممن يأخذهم في الحق هوادة، وليس معاوية ممن تأخذ العزة في قبول الحق، فإنهم كلهم من أجل ذلك.
وقال أيضاً: عهد معاوية إلى يزيد خوفاً من افتراق الكلمة، بما كانت بنو أمية لم يرضوا تسليم الأمر إلى من سواهم، فلو قد عهد إلى غيره اختلفوا عليه.
ومما لا شك فيه لو جاء معاوية برجل من ذوي الكفاءة من قريش غير ابنه يزيد، واستفتى ذوي الرأي والنهي بشأنه، ثم وقف وراءه بثقله الكامل، وتأييده الصريح، وطلب من أهل الحل والعقد في الأمة مبايعته بولاية العهد، فهل كان يعترض أحد؟ طبعاً لا؟ ذلك لأن أمير المؤمنين هو الداعي، ولأن المرشح لولاية العهد رجل أريد بترشيحه مبايعته مصلحة الأمة، وكان ذلك ممكناً، وأنه كان محققاً للغرض القائل بأن القصد من ولاية العهد هو سد أبواب الخلاف بين المسلمين، وتجنب الأمة أخطار التنازع والفتن من جديد؟ ولكن معاوية على كل حال اجتهد ولم يكن مصيباً في اجتهاده.
ج ـ محبة معاوية لابنه وقناعته به:
قال ابن كثير: وقد كان معاوية ـ لما صالح الحسن ـ عهد للحسن من بعده بالأمر، فلما مات الحسن قوي أمر يزيد عند معاوية، ورأى أنه لذلك أهل، وذلك من شدة محبة الوالد لولده، ولما كان يتوسم فيه من النجابة الدنيوية، ولا سيما أولاد الملوك، ومعرفتهم بالحروب وترتيب الملك والقيام بأبهته، وكان ظن ألا يقوم أحد من أبناء الصحابة في هذا المعنى.
وقال معاوية رضي الله عنه لعمرو بن حزم الأنصاري الذي كان معارضاً للبيعة، فذكر معاوية بالله، وطلب منه أن ينظر في عاقبة الأمور، فشكره معاوية وقال: إنك امرؤ ناصح، ثم أخذ معاوية يبين له بصراحة أنه لم يبق إلا ابنه وأبناؤهم وابنه أحق من أبنائهم.
وكان ليزيد بعض الصفات التي شجعت معاوية على جعله ولياً للعهد، قال الذهبي في ترجمة يزيد: كان قوياً شجاعاً، ذا رأي وحزم، وفطنة وفصاحة.
وقال ابن كثير: وكان يزيد فيه خصال محمودة من الكرم، والحلم، والفصاحة، والشعر، والشجاعة، وحسن الرأي في الملك.
ولا شك أن الصحابة وأبناءهم أفضل من يزيد وأصلح، ولكن مع ذلك فإن معاوية ربما رأى في ولده مقدرة لا تكون لغيره في قيادة الأمة بسبب عيشته المتواصلة مع أبيه، ومناصرة أهل الشام، وولائهم الشديد له، ثم اطلاعه عن قرب على معطيات ومجريات السياسة في عصره، هذه من أهم أسباب ترشيح معاوية لابنه.
يمكنكم تحميل كتاب التداول على السلطة التنفيذية من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي