الأحد

1446-06-28

|

2024-12-29

(معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه يطلب البيعة ليزيد من أهل المدينة)

الحلقة: 49

بقلم: د. علي محمد الصلابي

جمادى الآخرة 1443 ه/ يناير 2022م

مثلما أرسل معاوية رضي الله عنه إلى الأقاليم يطلب منهم البيعة ليزيد أرسل إلى المدينة يطلب من أميرها أخذ البيعة ليزيد، فقام مروان بن الحكم أمير المدينة خطيباً، فحض الناس على الطاعة لحذرهم الفتنة، ودعاهم إلى بيعة يزيد، وقال مروان سنة أبي بكر الراشدة المهدية، واستدل على ذلك بولاية العهد من أبي بكر لعمر، فرد عليه عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه، ونفى أن تكون هناك مشابهة بين هذه البيعة وبيعة أبي بكر، وقال: فقد ترك أبو بكر الأهل والعشيرة وعمد إلى رجل من بني عدي بن كعب، إذ رأى أنه لذلك أهل فبايعه، ثم قال: هذه البيعة شبيهة ببيعة هرقل وكسرى، ثم حدث بينه وبين مروان نزاع.

وجاء في رواية عبد الرحمن بن أبي بكرالصديق رضي الله عنه: يا معشر بني أميه اختاروا منها بين ثلاث: بين سنة رسول الله، أو سنة أبي بكر، أو سنة عمر. ألا وإنما أردتم أن تجعلوها قيصرية كلما مات قيصر كان قيصر.

فقال مروان: خذوه، فدخل بيت عائشة، فلم يقدروا عليه، فقال : إن هذا الذي أنزل الله فيه: {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي}[ الأحقاف: 17]، فقالت عائشة من وراء الحجاب: ما أنزل الله فينا من القرآن إلا أن الله أنزل عذري.

وقد سبق طلب مروان بن الحكم من أهل المدينة البيعة ليزيد تمهيد من معاوية رضي الله عنه، حيث أرسل رسالة لم يذكر فيها يزيد، وإنما جاء فيها: إني كبرت سني، وخشيت الاختلاف على الأمة بعدي، وقد رأيت أن أتخير لكم من يقوم بالأمر بعدي، وكرهت أن أقطع أمراً دون مشورة من عندك، فأعرض عليهم ذلك، وأعلمني بالذي يردون عليك، فقام مروان في الناس وأخبرهم بما أراد معاوية، فقال الناس: أصاب معاوية، ووفق، وقد أحببنا أن يتخير لنا فلا يألو، ولكن عندما ذكر في المرة التالية اسم يزيد، امتنع أهل المدينة في بداية الأمر، وعبر عبد الرحمن بن أبي بكر عما في نفوسهم.

ومما سبق نلاحظ أن مروان بن الحكم لم يوفق في المهمة التي كلفه بها معاوية رضي الله عنه، وعند ذلك قرر معاوية المجيء بنفسه إلى الحجاز، ومعرفة موقف الصحابة في هذه القضية المهمة، فجاء رضي الله عنه معتمراً في شهر رجب من سنة (56) هجرية، فلما علم عبد الرحمن بن أبي بكر وابن عمر وابن الزبير، بقدوم معاوية خرجوا من المدينة واتجهوا من المدينة، إلى مكة، فلما قدم معاوية المدينة خطب الناس، وحثهم على البيعة، وبين أن يزيد هو أحق الناس بالخلافة، ثم قال: قد بايعنا يزيد فبايعوه.

ويبدو أن معاوية قد ذكر أنه لا يخشى على ابن عمر وغيره من القتل إن مانعوا، ويقصد بخوفه عليهم من أهل الشام الذين لا يمكن أن يتصوروا أن أحداً يخالف أمير المؤمنين في أمر اتفق عليه كثير من الناس، فقد ذكر أن معاوية قال: والله ليبايعن ابن عمر أو لأقتلنه، فلما بلغ الخبر عبد الله بن صفوان، غضب وعزم على مقاتلة معاوية إن ثبت هذا. فلما سأل معاوية أنكر ذلك، وقال: أنا أقتل ابن عمر؟ إني والله لا أقتله.

أ ـ عبد الله بن عمر في مجلس معاوية:

فلما قدم معاوية مكة، وقضى نسكه بعث إلى ابن عمر، فقدم عليه فتشهد معاوية وقال: أما بعد يا بن عمر فإنك قد كنت تحدثني أنك لا تحب أن تبيت ليلة سوداء وليس عليك أمير، وإني أحذرك أن تشق عصا المسلمين، وأن تسعى على فساد ذات بينهم، فرد ابن عمر على معاوية، وبين له كيف كانت طريقة بيعة الخلفاء الراشدين، وذكر له كيف أن لهم أبناء خير من يزيد، فلم يروا في أبنائهم ما يرى معاوية في يزيد، ثم بين له أيضاً أنه لا يريد أن يشق عصا المسلمين، وأنه موافق على ما تجتمع عليه أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فأثلج هذا القول صدر معاوية، وقال: يرحمك الله.

فقد اشترط ابن عمر حدوث الإجماع على بيعة يزيد حتى يعطيه البيعة، وكان معاوية قد أرسل مئة ألف درهم لابن عمر، فلما دعا معاوية لبيعة يزيد قال: أترون هذا أراد؟ إن ديني إذاً عندي لرخيص.

وكان ابن عمر يرى أنه لا يجوز أن يؤخذ على البيعة الدراهم ؛ لأنها من باب الرشوة، فإن كانت البيعة حقاً فلا يجوز له أن يأخذ على الحق أجراً، وإن كانت باطلاً فلا يجوز له أن يبذل البيعة لمن لا يستحقها من أجل المال، فموقف ابن عمر رضي الله عنه هو عدم الرضا بالأسلوب الوراثي للحكم، أو أخذ البيعة عن طريق المال.

ب ـ عبد الرحمن بن أبي بكر في مجلس معاوية:

وخرج ابن عمر من مجلس معاوية، واستدعى عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فأخذ معاوية في الكلام، فقاطعه عبد الرحمن، ورد عليه بلهجة شديدة، وذكر أنه يمانع بيعة يزيد، وطلب أن يكون الأمر شورى، وتوعد معاوية بالحرب، ثم قام فقال معاوية: اللهم اكفنيه بما شئت، وطلب منه أن يتمهل، وألا يعلن رفضه أمام أهل الشام فيقتلوه، فإذا جاء العشي وبايع الناس، ثم يكون بعد ذلك ما عنده من رأي، وكان الأولى لمعاوية أن يطلب من أهل الشام ألا يتعرضوا لمن خالفه.

ج ـ عبد الله بن الزبير رضي الله عنه:

ثم استدعى ابن الزبير واتهمه معاوية بأنه السبب في منع البيعة، وأنه وراء ما حدث من ابن عمر وابن أبي بكر، فرد عليه ابن الزبير، وطلب منه أن يتنحى عن الإمارة إن كان صادقاً، ثم طلب من معاوية أن يضع يزيد خليفة بدلاً منه فيبايعه، ثم استدل على عدم موافقته على المبايعة بما استنبطه من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه: لا يجوز مبايعة اثنين في ان واحد، ثم قال: وأنت يا معاوية أخبرتني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كان في الأرض خليفتان فاقتلوا أحدهما».

د ـ الحسين بن علي رضي الله عنه:

ومن الملاحظ أن الرواية السابقة لم تذكر الحسين بن علي ضمن من استشارهم معاوية في بيعة يزيد، ولعل السبب يعود إلى أن معاوية أدرك العلاقة بين أهل العراق وبين الحسين، وأنهم كانوا يكتبون له، ويُمَنُّونه بالخلافة من بعد معاوية، ثم إن الحسين قد قابل معاوية بمكة فكلمه طويلاً ـ كما يبدو ـ في أمر الخلافة الأمر الذي أغضب يزيد، فقال لأبيه: لا يزال رجل قد عرض لك فأناخ بك، قال: دعه لعله يطلبها من غيري فلا يسوغه فيقتله، ويتبين لنا من خلال الحوار الذي دار بين معاوية وعبد الله بن عمر، وعبد الرحمن بن أبي بكر، وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم أنهم يمانعون البيعة لسببين:

-اعتراضهم على تولية يزيد، للعلاقة بين الأب والابن، وأن هذه لم تكن طريقة الخلفاء الراشدين.

-الاستدلال على بطلان هذه البيعة، ورفضها لمخالفتها النص الصريح الذي ورد في الحديث النبوي، والذي لا يجيز البيعة لشخصين في وقت واحد.

يمكنكم تحميل كتاب التداول على السلطة التنفيذية من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي

http://alsallabi.com/uploads/file/doc/16.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022