(حدث بيعة يزيد بن معاوية)
الحلقة: 52
بقلم: د. علي محمد الصلابي
جمادى الآخرة 1443 ه/ يناير 2022م
كان يزيد غائباً حين حضر معاوية الموت، فلما حضر يزيد كان قد دفن، فقصد يزيد باب الصغير حيث دفن أبوه، وهناك صلى على أبيه ومن خلفه المسلمون وكبر أربعاً، ولما خرج من المقبرة أتي بمراكب الخلافة فركب، ثم دخل البلد، وأمر فنودي في الناس أن الصلاة جامعة، ودخل الخضراء ـ وهو قصر بناه معاوية ـ فاغتسل، ولبس ثياباً حسنة، ثم خرج فخطب الناس أول خطبة خطبها وهو أمير المؤمنين، فقال بعد أن حمد الله، وأثنى عليه: أيها الناس، إن معاوية عبد من عبيد الله، أنعم الله عليه، ثم قبضه الله إليه، وهو خير ممن بعده، ودون من قبله، ولا أزكيه على الله عز وجل فإنه أعلم به، إن عفا عنه فبرحمته، وإن عاقبه فبذنبه، وقد وليت الأمر من بعده ولست اسى على طلب، ولا أعتذر من تفريط، وإذا أراد الله شيئاً كان.
وقال لهم في خطبته هذه: إن معاوية كان يغزوكم في البحر، وإني لست حاملاً أحداً من المسلمين في البحر، وإن معاوية كان يشتيكم بأرض الروم ولست مشتياً أحداً بأرض الروم، وإن معاوية كان يخرج لكم العطاء أثلاثاً، وأنا أجمعه لكم كله، فافترق الناس وهم لا يفضلون عليه أحد.
وفي هذه الخطبة شرح يزيد سياسته في قيادة الأمة، ووضح خطته التي سيلتزمها أثناء خلافته، وهي سياسة استطاع أن يكسب بها قلوب أهل الشام، وقد أجمعت الأمة ـ غالبية الأمة ـ على بيعة يزيد، أو بمعنى اخر جددت له البيعة بعد وفاة أبيه، ولم يبق إلا الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، ومن كان معهما، وكان لكل منهما مع يزيد شأن.
وأما بقية الصحابة فقد بايعوا يزيد جمعاً للكلمة، وحفظاً لوحدة الأمة، وخوف الفتنة، مثل عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، ومحمد ابن الحنفية، وأما أهل الشام والعراق وغيرها من الأقاليم فقد بايعوا، وكانت المعارضة ليزيد في أهل الحجاز يتزعمها الحسين بن علي وابن الزبير.
تولى يزيد الأمر بعد أبيه في رجب (سنة 60هـ 680م) فأقر عمال أبيه على ولايتهم، وأصر يزيد على طلب البيعة من الحسين وابن الزبير رضي الله عنهما، وهو الشرارة الأولى في الفتنة التي اندلعت بين المسلمين، فقد شعر كل منهما بأنه مطلوب، وأنه إذا لم يبايع فسيكون ضحية طيش يزيد، وأن سيوف أعوان الخليفة الجديد أصبحت مسلولة عليهم، فعادا إلى البيت الحرام، ولجأا إلى مكة يطلبان فيها الأمان، ويحتميان بحمى الله فيها، وشرعا في تجييش أنصاره،وحشدهم في مكان يصعب على يزيد وأعوانه أن يقتحموه، وكان ذلك في مكة المكرمة، في جوار بيت الله الذي قال فيه: َ {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً} عمران: 97].
ولم يكن لهذا التجمع وذلك الحشد نتيجة سوى المواجهة التي أودت بحياة الكثير من المسلمين، وكان على رأس هؤلاء الحسين بن علي رضي الله عنه، حيث قتل في كربلاء شهيداً على يد فئة ظالمة من جيوش يزيد.
لقد كانت غلطة من يزيد، بدأ بها حياته، وظلت تلاحقه حتى مماته، ولم يستطع التخلص منها، وبدأت سلسلة الأخطاء تتوالى في حياة الخليفة، وكلما ادلهمت الأمور من حوله عظمت الأخطاء، وتضخمت المشكلات، وكلما أراد حل مشكلة عرض لها بمشكلة أخطر منها وأفظع.
لقد كانت الكوارث الكبرى في عهد يزيد مقتل الحسين رضي الله عنه، ووقعة الحرّة بالمدينة، وحصار مكة لابن الزبير، لقد وصم يزيد عهده بوصمة لن يمحوها ماء البحار، ولن تزيل مرارتها عذوبة الأنهار.
يمكنكم تحميل كتاب التداول على السلطة التنفيذية من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي