(خلافة معاوية بن يزيد)
الحلقة: 53
بقلم: د. علي محمد الصلابي
جمادى الآخرة 1443 ه/ يناير 2022م
معاوية بن يزيد: هو ثالث الخلفاء الأمويين، وكنيته أبو يزيد أو عبد الرحمن، وأبوه يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، وأمه أم هاشم بنت أبي هاشم بن عتبة بن ربيعة، ويسمى معاوية الأصغر، ولد سنة (44هـ) ونشأ في بيت الخلافة، وبويع له بالخلافة بعد موت أبيه، في رابع عشر ربيع الأول سنة أربع وستين هجرية، وكان أبيض شديد البياض، كثير الشعر، كبير العينين، جعد الشعر، أقنى الأنف، مدور الرأس، جميل الوجه، كثير شعر الوجه، دقيقه، حسن الجسم، وكان رجلاً صالحاً ناسكاً.
ويختلف المؤرخون كثيراً في المدة التي حكمها معاوية بن يزيد، ويتراوح الخلاف بين عشرين يوماً وثلاثة أشهر، ويبدو أن مدة ثلاثة الأشهر هي الأرجح، ويرجع بعض المؤرخين مدة الأربعين يوماً، وكان مريضاً مدة ولايته، ولهذا لم يؤثر له عمل مدة خلافته حتى الصلاة، فإن الضحاك بن قيس هو الذي كان يصلي بالناس، ويسيّر الأمور، وظل الضحاك يصلي بالناس حتى بعد وفاة معاوية، حتى استقر الأمر لمروان بالشام.
ولما أحس معاوية بن يزيد بالموت نادى في الناس: الصلاة جامعة، وخطب فيهم، وكان مما قال: أيها الناس إني قد وليت أمركم وأنا ضعيف عنه، فإن أحببتم تركتها لرجل قوي، كما تركها عمر بن الخطاب، وليس فيكم من هو صالح لذلك، وقد تركت أمركم، فولوا عليكم من يصلح لكم، ثم نزل ودخل منزله، فلم يخرج حتى مات رحمه الله تعالى.
قد أراد معاوية بن يزيد أن يقول لهم: أنه لم يجد مثل عمر، ولا مثل أهل الشورى، فترك لهم أمرهم يولون من يشاؤون، وقد جاء ذلك صريحاً في رواية أخرى للخطبة عند ابن الأثير قال فيها: أما بعد فإني ضعفت عن أمركم فابتغيت مثل عمر بن الخطاب حين استخلفه أبو بكر فلم أجده، فابتغيت ستة مثل ستة الشورى فلم أجدهم، فأنتم أولى بأمركم، فاختاروا من أحببتم، ثم دخل منزله وتغيب حتى مات.
واعتبر هذا الموقف منه دليلاً على عدم رضاه عن تحويل الخلافة من الشورى إلى الوراثة، فقد رفض أن يعهد لأحد من أهل بيته حينما قالوا له: اعهد إلى أحد من أهل بيتك، فقال: والله ما ذقت حلاوة خلافتكم، فكيف أتقلد وزرها، وتتعجلون أنتم حلاوتها، وأتعجل مرارتها، اللهم إني بريء منها، مُتخلٍّ عنها، وجاء في رواية: قيل له: ألا توصي؟ فقال: لا أتذوَّق مرارتها وأترك حلاوتها لبني أمية.
وتعتبر حادثة تنازل معاوية بن يزيد عن الخلافة حادثة نادرة في التاريخ الإنساني، لقد عرفت استقالات فيها إكراه مادي أو معنوي، أما أن ملكاً استقال لأن في أمته من هو خير منه، فهذا ما لم نقع عليه، أية محاسبة للنفس أرفع من هذه؟!.
وإذا كان معاوية بن أبي سفيان أول الخلفاء الأمويين قد حول الخلافة من الشورى إلى الملك، فإن حفيد معاوية الثاني، ثالث خلفاء الأمويين أيضاً، قد أعاد الخلافة من الملك العضوض إلى الشورى الكاملة، وإنه لما يستوجب الإنصاف أن تصاغ القضية على هذا النحو بدلاً من التركيز على الشق الأول الخاص بتوريث الخلافة فقط.
ومات معاوية بن يزيد عن إحدى وعشرين سنة، وقيل غير ذلك، وشهد دفنه مروان بن الحكم، فلما فُرغ منه قال مروان: أتدرون من دفنتم؟ قالوا: نعم، معاوية بن يزيد، فقال مروان: هو أبو ليلى الذي قال فيه أزنم الفزاري:
إني أرى فتنة تغلي مراجلها والملك بعد أبي ليلى لمن غلبا
وكان معاوية بن يزيد قد أحدث أزمة خطيرة، فقد كان أخوه خالد بن يزيد صبياً صغيراً، وكان أمر ابن الزبير قد استفحل، وبايع له الناس من أنحاء الدولة، فرأى فريق من جند الشام على رأسهم الضحاك بن قيس أمير دمشق أن يبايعوا لابن الزبير، وحتى مروان بن الحكم كبير بني أمية فكر في الذهاب إلى ابن الزبير ليبايعه، ويأخذ منه الأمان، ولكن سائر الجند والقادة بزعامة حسان بن مالك زعيم القبائل اليمنية ـ الذين كانوا أقوى المؤيدين لبني أمية، وهم أخوال يزيد ـ رفضوا أن يخرج الأمر من بني أمية، وأن يبايعوا لابن الزبير، فحدث خلاف شديد ـ ولبث الشام ستة أشهر بدون إمام، وأخيراً اتفق القوم على أن يعقدوا مؤتمراً للشورى، يبحثون فيه عمن يصلح للخلافة، ويصلون في ذلك إلى قرار.
ويعتبر معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان اخر خلفاء الفرع السفياني، وانتقلت الخلافة بعده إلى الفرع الثاني من بني أمية بالمروانيين، وأولهم مروان ابن الحكم، ولا يُعد عند كثير من المحققين والمؤرخين خليفة، حيث يعتبرونه باغياً خرج على أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير، وكذلك ولده عبد الملك لا يعتبر خليفة إلا بعد موت ابن الزبير، واجتماع المسلمين عليه، وبوفاة معاوية بن يزيد انتهت الدولة السفيانية، وظهرت الدولة الزبيرية، ولكنها لم تستمر، فقد استطاع بنو مروان القضاء عليها.
يمكنكم تحميل كتاب التداول على السلطة التنفيذية من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي