الجمعة

1446-06-26

|

2024-12-27

(ظروف وحيثيات بيعة ابن الزبير بالخلافة)

الحلقة: 54

بقلم: د. علي محمد الصلابي

جمادى الآخرة 1443 ه/ يناير 2022م

بعد موت يزيد بن معاوية لم يكن هناك من خليفة، وإذا كان يزيد قد أوصى لابنه معاوية فإن هذا لا يكفي للبيعة، إذ لا بيعة دون شورى، إضافة إلى الذين قد بايعوا معاوية بن يزيد لا يزيدون على دمشق وما حولها وأعيان بني كلب، هذا مع أن معاوية بن يزيد لم يعش طويلاً، وترك الأمر شورى، ولم يستخلف أحداً، ولم يوص إلى أحد، وكان عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قد بويع له في الحجاز، وفي العراق، وما يتبعه إلى أقصى بلاد المغرب، وبايعت الشام أيضاً إلا بعض جهات منها، ففي دمشق بايع الضحاك بن قيس الفهري لابن الزبير، وفي حمص بايع النعمان بن بشير، وفي قنسرين زفر بن الحارث الكلابي، وفي فلسطين بايع ناتل بن قيس، وأخرج منها روح بن زنباع الجذامي، ولم يكن رافضاً بيعة ابن الزبير في الشام إلا منطقة البلقاء، وفيها حسان بن مالك بن بحدل الكلبي، وهكذا تمت البيعة لعبد الله بن الزبير في ديار الإسلام، وأصبح الخليفة الشرعي، وعين ابن الزبير نوّابه على الأقاليم.

وتكاد تجمع المصادر على أن جميع الأمصار قد أطبقت على بيعة ابن الزبير خليفة للمسلمين، ولذلك صرّح العديد من العلماء والمؤرخين بأن بيعة ابن الزبير شرعية، وأنه أولى بها من مروان بن الحكم، فيروي ابن عبد البر عن مالك أنه قال: إن ابن الزبير كان أفضل من مروان، وكان أولى بالأمر منه، ومن ابنه عبد الملك. ويقول ابن كثير: ثم هو ـ أي: ابن الزبير ـ الإمام بعد موت معاوية بن يزيد لا محالة، وهو أرشد من مروان بن الحكم، حيث نازعه بعد أن اجتمعت الكلمة عليه، وقامت البيعة له في الافاق، وانتقم له الأمير.

ويؤكد كل من ابن حزم، والسيوطي شرعية ابن الزبير، ويعتبران مروان بن الحكم وابنه عبد الملك باغيين عليه، خارجين على خلافته، كما يؤكد الذهبي شرعية ابن الزبير، ويعتبره أمير المؤمنين.

1 ـ بيعة ابن الزبير بالحجاز:

كان من الطبيعي أن يكون الحجاز أول المناطق خضوعاً وولاء لبيعة ابن الزبير لكونه مركز المعارضة ضد بني أمية، وقد سارع أهل الحجاز إلى مبايعة ابن الزبير، ويروي ابن سعد أن من الأوائل الذين سارعوا إلى مبايعة ابن الزبير: عبد الله بن مطيع العدوي، وعبد الله بن رضوان بن أمية الجمحي، والحارث ابن عبد الله بن أبي ربيعة، وعبيد بن عمير، وعبيد الله بن علي بن أبي طالب، وعبد الله بن جعفر، وكان هناك بعض العناصر الذين امتنعوا عن بيعة ابن الزبير، وعلى رأسهم ثلاث شخصيات لها مكانتها وتأثيرها لاسيما في الحجاز، وهم: عبد الله بن عمر بن الخطاب، وابن عباس، ومحمد ابن الحنفية، وتكاد تجمع المصادر أن أياً من هؤلاء لم يبايع ابن الزبير طيلة حياته.

2 ـ موقف ابن عمر من بيعة ابن الزبير:

بايع ابن عمر يزيد بالخلافة، والتزم بيعته، وحاول إقناع ابن الزبير بذلك، ونهاه عن إثارة الفتنة، والخروج على خلافة يزيد، وبعد وفاة معاوية بن يزيد بويع ابن الزبير بالخلافة، وطلب من ابن عمر أن يبايع له، فرفض ابن عمر البيعة معللاً ذلك بقوله: لا أعطي صفقة يميني في فرقة، ولا أمنعها في جماعة.

ولم يحاول ابن الزبير إجبار ابن عمر على البيعة، كما أن المصادر لم تُشِر إلى أي صدام أو مواجهة وقعت بين الاثنين.

وكان لامتناع ابن عمر عن بيعة ابن الزبير تأثير سلبي، فقد كان ابن عمر يتمتع بمكانة عالية وبالأخص في الحجاز، وكان تأثيره على الناس كبيراً، فامتناعه عن البيعة يجعل البعض يقتدي به، ويتخذ الموقف نفسه، ومما يزيد من تأثيره السلبي على حركة ابن الزبير أن ابن عمر كان يجبر من له طاعة عليهم، أن يتخذوا الموقف نفسه الذي يتخذه، ومع كل ذلك فلم يكن ابن عمر يشكل خطراً حقيقياً على ابن الزبير، فهو لم يكن ذا طموح للخلافة، كما أنه لا يملك أتباعاً يستطيع أن يواجه بهم ابن الزبير، كما هو الحال عند محمد ابن الحنفية.

3 ـ ابن عباس وبيعة ابن الزبير:

كان ابن عباس يختلف عن ابن عمر في مواقفه إزاء الفتن التي جرت في عصره، حيث خاض فيها، وشهد مع علي صراعه ضد خصومه في موقعتي الجمل وصفين، ولما جاء الأمويون للحكم واستخلف معاويةُ يزيدَ، بادر ابن عباس إلى بيعته، والتزم بها، ولم يعرف أنه أيَّد ابن الزبير الذي رفض البيعة، وفي الوقت نفسه لم يعلن عداءه لابن الزبير، وبدأت العلاقة بين الاثنين تدخل طوراً جديداً بعد وفاة يزيد بن معاوية، حيث بويع ابن الزبير بالخلافة سنة (64هـ)، وعندما طلب ابن الزبير من محمد ابن الحنفية وابن عباس المبايعة قالا: حتى تجتمع لك البلاد ويتسق لك الناس. ووعداه بعدم إظهار الخلاف له.

وبدأت العلاقة بين ابن الزبير وابن عباس في تحسن، نلمس ذلك في العديد من الروايات التي تدلل على شعور ابن عباس تجاه ابن الزبير، والمتمثل في تأييده لبعض مواقفه، أو في الثناء المباشر عليه.

ويروي عبد الرزاق في مصنفه أن ابن عباس كان قاضياً لابن الزبير بمكة، إلا أن العلاقة بينهما تعكرت، وقد وردت عدة روايات تدل على مظاهر تردِّي العلاقة بين الاثنين وإن كانت في مجموعهما لا تخرج عن نطاق المناقشات الحادة، ونظراً لتوافق ابن عباس مع محمد ابن الحنفية في رفض بيعة ابن الزبير، وتنامي خطر الأخير، فقد انتهى الأمر بخروج ابن عباس إلى الطائف، وبقي هناك إلى أن توفي.

وكان ابن عباس يثني على ابن الزبير، فعندما ذكر عنده قال ابن عباس: قارأئ لكتاب الله، عفيف الإسلام، وأبوه الزبير، وأمه أسماء، وجده أبو بكر، وعمته خديجة، وخالته عائشة، وجدّته صفية.

يمكنكم تحميل كتاب التداول على السلطة التنفيذية من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي

http://alsallabi.com/uploads/file/doc/16.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022