(خلاصة كتاب التداول على السلطة التنفيذية: دروس وعبر3)
الحلقة: 65
بقلم: د. علي محمد الصلابي
جمادى الآخرة 1443 ه/ يناير 2022م
- إن عهد الخلافة الراشدة يعتبر مرجعية كبرى في الفقه السياسي وبناء الدول وازدهار الحضارات؛ لذلك يجب دراسته بكل دقة؛ لأنه يقدم لنا السوابق التاريخية التي تعتبر حجة في فقه «الرئاسة» المنضبطة بمقاصد القرآن الكريم والسنة النبوية، وإذا كان البريطانيون يعتبرون «الماجنة كارتا» الميثاق الأساس لحرياتهم، والفرنسيون يعتبرون إعلان حقوق الإنسان ميثاقهم، فإن المسلمين يعتبرون حكومة الخلفاء الراشدين الوثيقة الأساسية لحرياتهم السياسية، وهي ميثاق عملي، وليس مجرد بيان قوي، أما البيان القولي فإننا نجده في خطبة الوداع التي ألقاها الرسول الكريم في حجة الوداع، ويكفي أن نذكر منها المقتطفات الاتية:
«أيها الناس إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا... أوصيكم بالنساء خيراً... لقد تركت فيكم ما إن أطعتموه فلن تضلوا بعدها أبداً، كتاب الله وسنة رسوله... لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى، ولا فضل لأبيض على أحمر، ولا أحمر على أبيض إلا بالتقوى».
- ويمكن تلخيص المبادأئ الأساسية التي تبنى عليها مسؤولية الحاكم فيما يلي:
- أن الحاكم هو أجير للأمة وعامل لديها ضمن حقوق وواجبات ينظمها القانون والدستور.
- أن الحكم عبارة عن عقد اجتماعي بين الأمة والحاكم لرعاية مصالحها.
- أن البيعة بين الأمة والحاكم بيعة موقوتة.
- أن الحكم قائم على مبدأ الفصل بين السلطات.
- للحاكم أن يختار الكيفية المناسبة لممارسة صلاحياته، إما بالتفويض، أو بالتنفيذ المباشر، أو حسب ما يقرر الدستور.
- أن يمارس الحاكم صلاحياته وسلطاته في ضوء مبدأ سيادة القانون، المستمد من الكتاب والسنة.
- تولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه رئاسة الدولة باتفاق أصحاب الحل والعقد وإرادتهم، فهم الذين فوضوا لأبي بكر انتخاب الخليفة، ثم عرض هذا التعيين على الناس فأقروه، وأمضوه، ووافقوا عليه، وأصحاب الحل والعقد في الأمة هم النواب «الطبيعيون» عن هذه الأمة، وإذاً فلم يكن استخلاف عمر رضي الله عنه إلا على أصح الأساليب الشورية وأعدلها، والخطوات التي سار عليها أبو بكر الصديق في اختيار خليفته من بعده لا تتجاوز الشورى بأي حال من الأحوال، وإن كانت الإجراءات المتبعة فيها غير الإجراءات المتبعة في تولية أبي بكر.
- أناط عمر بن الخطاب أهل الشورى وحدهم في اختيار الخليفة من بينهم، ومن المهم أن نشير إلى أن أحداً من أهل الشورى لم يعارض هذا القرار الذي اتخذه عمر، كما أن أحداً من الصحابة الاخرين لم يثر أي اعتراض عليه، وبوسعنا أن نقول: أن عمر قد أحدث هيئة سياسية عليا، مهمتها انتخاب رئيس الدولة، أو الخليفة، وهذا التنظيم الدستوري الجديد الذي أبدعته عبقرية عمر لا يتعارض مع المبادأئ الأساسية التي أقرها الإسلام، ولا سيما فيما يتعلق بالشورى؛ لأن العبرة من حيث النتيجة للبيعة العامة التي تجري في المسجد الجامع.
- ختم عمر رضي الله عنه حياته، ولم يشغله ما نزل به من البلاء، ولا سكرات الموت عن تدبير أمر المسلمين، وأرسى نظاماً صالحاً للشورى لم يسبقه إليه أحد، ولاشك في أن أصل الشورى في القرآن الكريم والسنة القولية والفعلية، وقد عمل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، ولم يكن عمر مبتدعاً بالنسبة للأصل، ولكن الذي عمله عمر هو تعيين الطريقة التي يختار بها الخليفة، وحصر عدد معين جعلها فيهم، وهذا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا الصديق رضي الله عنه، بل أول من فعل ذلك عمر، ونعم ما فعل، فقد كانت أفضل الطرق المناسبة لحال الصحابة في ذلك الوقت.
- تمكن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه بكياسته وأمانته وصبره وحزمه وحسن تدبيره ما كفل له النجاح في قيادة ركب الشورى بمهارة وتجرد، وأشرف على العملية الانتخابية بين عثمان وعلي رضي الله عنهما، وأعلن النتيجة بعد مشاورة الصحابة، وكل من يلقاه في المدينة من كبارهم وأشرافهم، ومن أمراء الأجناد، ومن يأتي المدينة، وشملت مشاورته النساء في خدورهن، وقد أبدين رأيهن، كما اشتملت الصبيان والعبيد في المدينة، وكانت مشاورات عبد الرحمن قد أظهرت النتيجة لصالح عثمان رضي الله عنه، ثمَّ أعلن تلك النتيجة ومبايعته.
- عندما بايعت الأمة عثمان بالخلافة، قام في الناس خطيباً، فأعلن منهجه السياسي، مبيناً أنه سيتقيد بالكتاب والسنة وسيرة الشيخين، كما أشار في خطبته إلى أنه سيسوس الناس بالحلم والحكمة، وأنه سينفذ الحدود، ثم حذر الناس من الركون إلى الدنيا والافتتان بحطامها خوفاً من التنافس والتباغض والتحاسد بينهم؛ مما يفضي بالأمة إلى الفرقة والخلاف.
-ـ كان في كتاب عثمان للولاة التركيز على قيم العدل السياسي والاجتماعي والاقتصادي، بإعطاء ذوي الحقوق حقوقهم، وأخذ ما عليهم، وإعلاء شأن مبدأ الرعاية السياسية لا الجباية وتكثير الأموال.
- تمت بيعة علي رضي الله عنه بالخلافة بطريقة الاختيار، وذلك بعد أن استشهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه على أيدي الخارجين المارقين الشذاذ ؛ الذين جاؤوا من الافاق، ومن أمصار مختلفة وقبائل متباينة.
- إن بيعة الخليفة الرابع علي رضي الله عنه، لم تختلف من حيث مبدأ الشورى عن مثيلتها السابقة بالرغم من الأزمة التي ألمت بالأمة والأحوال المدلهمة، والمشكلات المتتابعة، فلم تتم البيعة على أساس عشائري، أو أسري، أو قبلي، أو على أساس عهد ووصية من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
يمكنكم تحميل كتاب التداول على السلطة التنفيذية من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي