الجمعة

1446-06-26

|

2024-12-27

(خلاصة كتاب التداول على السلطة التنفيذية: دروس وعبر2)

الحلقة: 64

بقلم: د. علي محمد الصلابي

جمادى الآخرة 1443 ه/ يناير 2022م

- إن البيعة بمعناها الخاص هو إعطاء الولاء والسمع والطاعة للخليفة مقابل الحكم بما أنزل الله تعالى، وأنها في جوهرها وأصلها عقد وميثاق بين الطرفين، الإمام من جهة وهو الطرف الأول، والأمة من جهة ثانية وهي الطرف الثاني، فالإمام يبايع على الحكم بالكتاب والسنة، والخضوع التام للشريعة الإسلامية عقيدة وشريعة ونظام حياة، والأمة تبايع على الخضوع والسمع والطاعة للرئيس في حدود الشريعة.

20 ـ اهتم الحكم الإسلامي بأسس ضمان العدالة فيما يلي:

-استقلال الشريعة والفقه على سلطة الدولة التنفيذية.

-اختيار الرئيس يقوم على أساس البيعة الحرة.

-الحد من سلطة الحاكم.

-مراقبة الحاكم ونقده وتقويمه.

-استقلال المؤسسات العلمية والتعليمية والمالية عنهم.

- إن نص خطبة أبي بكر الصديق رضي الله عنه يعتبر بمصطلحات وأقوال عصرنا هو البيان الوزاري للسلطة التنفيذية ؛ التي تمت على البيعة العامة، وإعطاء الثقة في المسجد بعد البيعة الخاصة في السقيفة في ضوئه.

- أقرَّ الصديق في بداية خطابه للأمة أن كل حاكم معرض للخطأ والمحاسبة، وأنه لا يستمد سلطته من أي امتياز شخصي يجعل له أفضلية على غيره؛ لأن عهد الرسالات والرسل المعصومين قد انتهى، وأن اخر رسول كان يتلقى الوحي انتقل إلى جوار ربه، وقد كانت له سلطة دينية مستمدة من عصمته كنبي، ومن صفته باعتباره رسولاً يتلقى التوجيه من السماء، ولكن هذه العصمة قد انتهت بوفاته (ص)، وبعد وفاته (ص) أصبح الحكم والسلطة مستمدين من عقد البيعة، وتفويض الأمة للحاكم.

- لقد استقر في مفهوم الصحابة أن بقاء الأمة على الاستقامة رهن باستقامة ولاتها، ولذلك كان من واجبات الرعية تجاه حكامهم ونصحهم وتقويمهم، ولقد أخذت الدولة الحديثة تلك السياسة الرائدة للصديق رضي الله عنه، وترجمت ذلك إلى لجان متخصصة ومجالس شورية تمد الحاكم بالخطط، وتزوده بالمعلومات، وتشير عليه بما يحسن أن يقرِّره.

- أعلن الصديق رضي الله عنه مبدأ أساسياً تقوم عليه خطته في قيادة الأمة، وهو: أن الصدق بين الحاكم والأمة هو أساس التعامل، وهذا المبدأ السياسي الحكيم، له الأثر الهام في قوة الأمة حيث ترسيخ جسور الثقة بينها وبين حكامها، إنه خلق سياسي منطلق من دعوة الإسلام إلى الصدق.

- إن شعوب العالم اليوم تحتاج إلى هذا النهج الرباني في التعامل بين الحاكم والمحكوم؛ لكي تقاوم أساليب تزوير الانتخابات، وتلفيق التهم، واستخدام الإعلام وسيلة لترويج اتهامات باطلة لمن يعارضون الحكام أو ينتقدونهم، ولابد من إشراف الأمة على التزام الحكام بالصدق والأمانة من خلال مؤسساتها التي تساعدها على تقويم ومحاسبة الحكام إذا انحرفوا، فتمنعهم من سرقة إرادتها، وشرفها، وحريتها، وأموالها.

- إن الصديق رضي الله عنه استوعب سنن الله في المجتمعات، وبناء الدول وزوالها، وفهم أن زوال الدول يكون بالترف والفساد والانغماس في الفواحش والموبقات، فعلاقة الأخلاق بقيام الدول، وظهور الحضارة علاقة ظاهرة، فإن فسدت الأخلاق، وخربت الذمم ضاعت الأمم، وعمها الفساد والدمار، والدارس لحياة الأمم السابقة والحضارات السالفة بعين البصيرة، يدرك كيف قامت حضارات على الأخلاق الكريمة والدين الصحيح، وأن كثيراً من الأمم التي التزمت بالقيم والأخلاق، فظلت قوية طالما حافظت عليها، فلما دب سوس الفواحش إليها استسلمت للشياطين، وبدلت نعمة الله كفراً، وأحلت قومها دار البوار، فزالت قوتها، وتلاشت حضارتها.

-ـ في دولة الصديق وفي المجتمع الإسلامي الشريعة فوق الجميع، يخضع الحاكم والمحكوم، ولهذا قيد الصديق طاعته التي طلبها من الأمة بطاعة الله ورسوله؛ لأن رسول الله (ص) قال: «لا طاعة في المعصية، إنما الطاعة في المعروف»، ولكن في حدود طاعته هو لله ورسوله، فإن عصى الله ورسوله ـ بتعطيل شيء من شرع الله ـ فلا طاعة له على الناس.

-ـ لا مانع شرعاً من إضافة شرط يحدد مدة ولاية الرئاسة، حيث إن روح النظام الإسلامي لا تتنافى إطلاقاً مع توقيت الرئاسة بمدة زمنية محددة إذا ما تضمن عقد الرئاسة ذلك، وتمَّ النص على ذلك في الدستور.

- ـ كانت دولة الصديق مدنية شورية، لأن من يترأس الدولة لم تكن سلطته مطلقة، ويكفي ذلك أن ترجع إلى خطبة أبي بكر، بعد تولي الخلافة حيث قال: إني وليت عليكم، ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، ثم أضاف: أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإن عصيتهما، فلا طاعة لي عليكم. ومعنى ذلك أنه أعطى للأمة حق الرقابة على عمله ومحاسبته، فضلاً عن أنها هي التي اختارته بواسطة من يمثلونها، وهذان المبدان هما أساس النظام الديمقراطي في العصر الحديث.

- إن حكومة الصديق قامت على الأصول الشورية الثابتة وروحها؛ التي هي أهم من الأشكال المتغيرة، والقابلة للتطور.

-ـ كانت دولة الصديق قائمة على الشورى والمواطنة، وحقوق الإنسان، والحريات العامة، وحقوق المرأة...إلخ المستمدة من مقاصد القرآن الكريم، والتوجهات النبوية الرشيدة.

- دولة الصديق مدنية تقوم على أساس الاختيار، والبيعة، والشورى، ومسؤولية الحاكم أمام الأمة، وحق كل فرد في الرعية أن ينصح لهذا الحاكم، ويأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر، بل يعتبر الإسلام هذا واجباً كفائياً على المسلمين، ويصبح فرض عين إذا قدر عليه وعجز غيره عنه، أو جبن عن أدائه.

- إن الحاكم في الإسلام مُقيَّد غير مطلق، فهناك شريعة تحكمه، وقيم توجهه، وأحكام مُقيّدة، وهي أحكام لم يضعها هو ولا حزبه أو حاشيته، بل وضعها له ولغيره َ، {رَبِّ الْعَالَمِينَ * مَلِكِ النَّاسِ *إِلَهِ النَّاسِ *} يستطيع هو ولا غيره من الناس، أن يلغوا هذه الأحكام أو يجمدوها، فلا مَلِك، ولا رئيس، ولا برلمان، ولا حكومة، ولا مجلس شورى، ولا لجنة مركزية ولا مؤتمر للشعب، ولا أي قوة في الأرض تملك أن تغيِّر شيئاً من أحكام الله الثابتة.

يمكنكم تحميل كتاب التداول على السلطة التنفيذية من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي

http://alsallabi.com/uploads/file/doc/16.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022